اقتصاد

عندما تلتقي العلاقات الزوجية بالخوارزميات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون ناصحا أمينا؟

امرأة شابة تستخدم الكمبيوتر المحمول في السرير بينما ينام شريكها

صدر الصورة، Getty Images

  • Author, هيفار حسن
  • Role, بي بي سي عربي
  • قبل 55 دقيقة

أحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً كبيراً في كل جوانب الحياة الحديثة، ولا سيما تطبيق تشات جي بي تي، الذي حظي بشعبية واسعة في مختلف أنحاء العالم، وبات أداة يُستخدم مجالات عديدة مثل التعليم وخدمة العملاء والترجمة والصحة وغيرها.

وتقول امرأتان لبي بي سي عربي إن تطبيق تشات جي بي تي، عزز بالفعل علاقتهما الزوجية بشكل كبير وساعدهما في إيجاد حلول فعالة.

لكن هذا يثير تساؤلات جدية.

هل يمكن لنظام يعتمد على البيانات والخوارزميات أن يستوعب تعقيدات السلوك البشري والأخلاق والعواطف؟ وهل بالفعل يمكنه مساعدة الأفراد في التعامل مع التحديات الدقيقة للعلاقات الزوجية؟ وهل من الآمن استبدال الأخصائيين النفسيين بتطبيقات الذكاء الاصطناعي؟

يبدو أن لخبراء الذكاء الاصطناعي رأياً مغايراً.

لماذا تشات جي بي تي؟

صورة لتطبيق تشات جي بي تي على هاتف ذكي

صدر الصورة، Getty Images

في البداية، كان استخدامه بدافع التسلية، لكن الفضول والانبهار بتطبيق تشات جي بي تي، جعلا نهال حيدر (اسم مستعار)، تدمن الدردشة مع التطبيق الذي تصفه بـ “صديقي الذي لا يشكو أو يمل أو يتعب”.

وتقول نهال عن نفسها: “أنا امرأة متحفظة جداً، ولا أحب مشاركة همومي ومشاكلي الخاصة مع أي أحد، وخاصة فيما يتعلق بحياتي الزوجية، لأنني تعرضت للخذلان عدة مرات من قبل”.

قبل خمس سنوات، انتقلت نهال من بيروت مع زوجها وابنتيها اللتين تبلغان من العمر (11 و15) عاماً على التوالي، ليستقروا جميعاً في العاصمة السعودية، الرياض.

تقضي نهال (41 عاماً)، معظم أوقاتها وحيدة، وخاصة عندما يغادر زوجها إلى العمل وابنتاها إلى المدرسة.

وتقول: “في البداية، علمتني ابنتي الكبرى كيف أسجل الدخول إلى تشات جي بي تي، وكيف أطرح عليه الأسئلة بغرض التسلية، لكن بعد فترة وجيزة، شعرت بالملل، لأنني لم أكن راضية عن حياتي، كنت أشعر بالوحدة، ولم تكن علاقتي بزوجي في أفضل حالاتها، بل تسودها الرتابة والبرود بما في ذلك العلاقة الحميمية”.

بالنسبة لنهال، لم يكن خيار زيارة عيادة نفسية أمراً وارداً قط، لأنها متحفظة على حد وصفها وليست ممن يعبّرن عن خوالجهن لأي شخص، ولأن مثل هذه الخطوة تتطلب معرفة زوجها وموافقته بحسب قولها، وهذا ما لم ترغب به.

وجدت نهال ضالتها في تطبيق تشات جي بي تي، “الصديق الذي لا يكل ولا يمل من أسئلتي، ولا أضطر إلى مقابلة أشخاص وجهاً لوجه أو أشعر بالإحراج من البوح بتفاصيل محرجة لا أستطيع طرحها في الواقع”.

وتقول المرأة الأربعينية إنها تثق في التطبيق “لأنه لا يفشي أسراري أو يخذلني كما يفعل بعض الناس”.

لكن، هل يمكننا حقاً الوثوق بالذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بالمشاعر والعلاقات الإنسانية الحساسة والعواطف؟

تتحدث امرأة متوترة مع أخصائية صحة عقلية حول القلق والاكتئاب.

صدر الصورة، Getty Images

يقول غراهام لافليس، خبير الذكاء الاصطناعي، الذي له كتابات عدة عن “تأثير الذكاء الاصطناعي على وسائل الإعلام والمجتمع” في المملكة المتحدة، لبي بي سي عربي: ” في الحقيقة، حتى أكبر ما يسمى بـ “نماذج” الذكاء الاصطناعي ليس لديها إحساس بما يعنيه أن تكون إنساناً؛ ولا تملك أي معرفة في أحاسيس النشوة أو الخسارة أو الخوف أو الحزن.

إنها تعمل من خلال تحليل العلاقة بين الكلمات داخل مجموعات بيانات التدريب الضخمة، وحساب الاحتمالية الإحصائية بأن كلمة واحدة ستتبع أخرى في الإجابة. النموذج الذي يدعم برنامج الدردشة الآلي مثل تشات جي بي تي، يحاكي المشاعر بناءً على الكلمات التي تم تحليلها من مصادر مثل الدراسات الأكاديمية والروايات والشعر وحتى كلمات الأغاني الموسيقية، الموجودة على الإنترنت، وقد تكون إجابته معقولة لكن ليست دقيقة. ولهذا السبب لا يمكننا الوثوق به تماماً، لأنه قد يقدم إجابات زائفة تزعج الذين وثقوا بالمساعد الذكي”.

وتقول سيلدا (فضلت عدم ذكر اسمها الثاني) التي تبلغ من العمر 39 عاماً وتعيش في مدينة حلب السورية، إن “تشات جي بي تي، “رسم لي طريقة منطقية جداً لإصلاح علاقتي شبه المعدومة بزوجي الذي بات جلّ تركيزه في الآونة الأخيرة على كيفية جمع ثروة أكبر، دون أن يعير أي أهمية إلى مسألة العواطف والعلاقة الزوجية وحتى الأسرة”.

تقول سيلدا، وهي أم لولدين دون سن العاشرة، إن الأوضاع المالية لا تسعفها لدفع مبالغ مالية مقابل استشارات نفسية، لذلك، بحثت عن الحلول في الإنترنت، الذي قادها صدفة إلى تشات جي بي تي، الذي أبهرها بسرعة تقديم الإجابات التي بدت منطقية بالنسبة لها على حد قولها.

وذكرت سيلدا بعض الأمثلة أو الإجابات التي حصلت عليها من التطبيق، الذي ساعدها على معرفة كيفية حث زوجها على الاهتمام بها مجدداً، قائلة: “سرد لي التطبيق قائمة مفصلة بطرق إعادة إحياء علاقتي بزوجي، وأرشدني إلى طرق التعامل مع ذاتي أولاً ثم زوجي وأطفالي، ومن بعض العبارات والإجابات الكثيرة التي قدمها لي التطبيق هي: قيّمي الموقف بشكل جيد وحددي جوهر المشكلة، هل هي نقص في التواصل أم عدم احترام أم شيء آخر؟ مدى تأثير سلوكه عليك، كيفية التواصل معه بصراحة والتعبير عن مشاعرك واحتياجاتك وإجراء محادثة جريئة وصادقة مع زوجك حول كيفية تأثير أفعاله عليك، تواصلي بوضوح حول السلوك غير المقبول وما تحتاجينه منه لتشعري بالاحترام والتقدير في العلاقة وما إلى هنالك”.

وتقول سيلدا إنها منذ ذلك الحين، باتت تتفاعل مع التطبيق بشكل يومي تقريباً، “لأن النساء من حولي غير قادرات على تقديم نصائح مجدية، ومعظمهن مستسلمات للأمر الواقع دون أي سعي إلى التغيير”.

إلا أن للبروفسور جون مككالاني، أستاذ علم النفس في جامعة بورنموث البريطانية رأيا آخر حول استخدام الذكاء الاصطناعي في مثل هذه المسائل الحساسة.

صورة للذكاء الاصطناعي المفتوح

صدر الصورة، Getty Images

يقول مككالاني لبي بي سي عربي: “قد يكون الذكاء الاصطناعي أداة مفيدة، لكنه ليس مثالياً. ورغم قدرته على تقديم كثير من النصائح المعقولة والمناسبة، إلا أنه لا يزال يرتكب أخطاء، وقد تفوته الفروق الدقيقة في المواقف، خاصة عندما يقدم إجابات إلى شخص ربما لم يشارك كل تفاصيل الموقف بدقة. وهذا يعني أن التطبيق لن يطرح أسئلة توضيحية بشأن الأفكار أو المعتقدات أو المشاعر التي قد يكون من المفيد أن يُطلب من الشخص الذي يطرح الأسئلة التفكير فيها”.

يماثله في الرأي البروفيسور، توماس نوفوتني، رئيس مجموعة أبحاث الذكاء الاصطناعي، في قسم علوم الأعصاب والهندسة والمعلوماتية في جامعة ساسِكس البريطانية، الذي قال لبي بي سي عربي: “إن التكنولوجيا التي تقف وراء نماذج اللغة الكبيرة مثل تشات جي بي تي، يتم تدريبها على التنبؤ بالكلمات المفقودة في كميات هائلة من النصوص التي يتم جمعها من الإنترنت وغيرها من مجموعات النصوص الكبيرة. وهذا يعني أنها مفيدة جداً في إنتاج لغة ومحتوى جيدين ويبدوان معقولين، وفي حالة هاتين السيدتين، قد تلتقط نماذج اللغة الكبيرة، مثل تشات جي بي تي، وتولد نصيحة ذات صلة بسبب تشابه الأسئلة والنصائح المتوفرة في بيانات التدريب، ولكن، من المعروف أيضاً أن هذه النماذج تقوم بتكوين ارتباطات خاطئة تماماً تؤدي إلى ما يسمى بالهلوسة، التي عادة تكون ضارة فعلياً، لذلك لا يُنصح بأخذ المشورة والنصائح من هذه النماذج بدون الرجوع إلى طبيب بشري حقيقي”.

ما المزايا والعيوب؟

يقول غراهام لافليس: ” إذا كان الذكاء الاصطناعي التوليدي قادراً على تجاوز قضية الهلوسة، أي ميل النماذج التي تدعم برامج الدردشة الآلية إلى اختلاق الأشياء (الكذب) أو الخوض في نقاشات ثنائية تم تدريبها بناء على مصادر جديرة بالثقة، فقد ترى فائدة واضحة في استخدام الاستشارة البشرية. لكن المخاطر هائلة! إذ إن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تملك أي فكرة عما يعنيه أن تكون إنساناً، ولا عن المعايير الاجتماعية والثقافية التي نلتزم بها عندما نعبر عن أنفسنا. ومن المرجح أيضاً أن تكون متحيزة للغاية، بسبب بيانات التدريب التي تعتمد عليها لتشكيل الإجابات المقدمة”.

“وعلى الرغم من أن السيدتين تقولان إن تشات جي بي تي، ساعدهما في إصلاح علاقاتيهما مع شريكيهما، لكن لا يجب للناس الاعتماد عليه بشكل كامل وخاصة في مثل هذه الأمور الحساسة، لأنه قد يخفق في حل المشكلات العقلية والعاطفية والصحية، بل ويجعلها أكثر تعقيداً”.

وعلى الرغم من إخبارهما بنصائح خبراء الذكاء الاصطناعي، إلا أن كلتيهما تقول إن هذا الحل ناسبها جداً بحسب وضعها الاجتماعي.

ويقول مككالاني: ” إن البشر كائنات معقدة، ففي علم النفس، نستخدم أنظمة التشخيص لمساعدتنا على فهم المشكلات العقلية التي قد يمر بها الشخص والتواصل بشأنها، ولكننا ندرك أن تجربة كل شخص ستكون شخصية جداً بالنسبة له. لذلك، ثمة خطر يتمثل في فشل الذكاء الاصطناعي في التعرف على الظروف النادرة التي يمر بها كل شخص على حدة”.

ويقول توماس نوفوتني: “قد تكون هناك فعلاً ميزة تتمثل في سهولة الوصول والخصوصية الواضحة وهو عدم الحاجة إلى التحدث إلى شخص ما، لكن يجب الحذر من استخدامه في مثل هذه الحالات الجدية بسبب خطر الهلوسة بدرجة كبيرة”.

ما الذي يعجز الذكاء الاصطناعي في تقديمه مقارنة بالطبيب؟

يقول جون مككالاني: “عندما يتحدث طبيب نفسي مع شخص ما، فهو لا يستمع فقط إلى الكلمات بل وإلى نبرة الصوت والإشارات غير اللفظية مثل التواصل البصري ولغة الجسد. وهذا يمنحه فهماً أعمق للشخص، ويساعده على تقدير الموقف الذي يمر به، وغالباً ما يكون الصمت عند الضرورة جزءا مهماً من العلاج النفسي، للسماح للفرد بأخذ الوقت الكافي للعثور على كلماته، وهذا ما لا يمتلكه الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من كل ذلك، لا ينبغي أن نستبعد إمكانيات الذكاء الاصطناعي في دعم العلاج، لأنه يصعب على الأشخاص أحياناً إمكانية الوصول إلى العلاج في العديد من البلدان، بسبب القيود المالية أو عدم توافر الخدمات. في هذه الحالة، ربما يكون للذكاء الاصطناعي دور في منح الأشخاص إمكانية الوصول السريع والسهل إلى خدمة قد تساعدهم في بعض النواحي، لكن أؤكد على ضرورة خضوع هذه الأنظمة إلى مراقبة دقيقة من قبل خبراء بشريين، لضمان عدم تعرض الأفراد للأذى”.

وأخيراً، قد يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً داعماً في زيادة الوصول إلى خدمات الصحة العقلية، لكن يظل الأخصائيون النفسيون في المقدمة، لأنهم لا يقتصرون على التعامل مع الكلمات فقط، بل والإحساس بالمريض والصمت عند الضرورة واكتشاف الخوالج دون الحاجة إلى النطق أحياناً، وهي عناصر يفتقر إليها الذكاء الاصطناعي في الوقت الحاضر.

الوسوم

خالد ميمون

مدون جزائري. مستشار تقني في الاتصالات , مهتم بالتقنية المجتمع و الدين, يدون بشكل غير منتظم في مدونة البريد اليومي , ذو خبرة في مجالات : الاتصالات , الشبكات , الخوادم ,تصميم مواقع الانترنت الديناميكية و الحلول المخصصة, أنظمة لينيكس و البرامج مفتوحة المصدر.

مقالات ذات صلة

أترك تعليقا

إغلاق