اقتصاد

“حامل” منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال “معجزة” للحمل في نيجيريا

طفل لا يظهر وجهه بين ذراعي امرأة
التعليق على الصورة، تصر شيوما على أن الطفل هوب هو ابنها

  • Author, يميسي أديغوكي، وتشياغوزي نوونوو، ولينا شيخوني
  • Role, بي بي سي نيوز
  • قبل 15 دقيقة

تصر شيوما على أن “هوب”، الصبي الذي تحمله بين ذراعيها، هو ابنها. فبعد ثماني سنوات من المحاولات الفاشلة للحمل، ترى فيه طفلها المعجزة، وتقول: “هذا طفلي”.

تجلس إلى جانب زوجها، إيكي، في مكتب مسؤول حكومي نيجيري، يستجوب الزوجين لأكثر من ساعة.

وبصفتها مفوضة شؤون المرأة والرعاية الاجتماعية في ولاية أنامبرا، تتمتع إيفي أوبينابو بخبرة كبيرة في حل النزاعات العائلية، لكن هذه الخلافات ليست عادية.

لا يصدق خمسة من أفراد عائلة إيكي، أن “هوب” هو الطفل البيولوجي للزوجين، إذ تدّعي شيوما أنها “حملت” بالطفل لمدة تصل إلى 15 شهراً، ما ترى فيه المفوّضة وأفراد عائلة إيكي واقعة غير قابلة للتصديق.

تقول شيوما إنها تعرضت لضغوط من عائلة إيكي لتكوين أسرة، “بل إنهم طلبوا منه الزواج من امرأة أخرى”، بحسب قولها.

وبعد أن شعرت باليأس، زارت شيوما “عيادة” تقدم “علاجاً” غير تقليدي، وهو عملية احتيال غريبة ومروعة تستهدف النساء اللواتي في حاجة ماسة لأن يصبحن أمهات، وتشمل الاتجار بالأطفال.

لقد قمنا بتغيير أسماء شيوما وإيكي وآخرين في هذا المقال لحمايتهم من الانتقام في مجتمعاتهم.

مفوضة الولاية إيفي أوبينابو تستمع إلى شيوما وهي تروي روايتها لما حدث
التعليق على الصورة، مفوضة الولاية إيفي أوبينابو تشارك في الجهود الرامية إلى القضاء على عملية الاحتيال

“علاج المعجزة”

تتمتع نيجيريا بإحدى أعلى معدلات الولادة في العالم، حيث تواجه النساء غالباً ضغوطاً اجتماعية للإنجاب، بل قد يتعرضن للنبذ أو الإساءة إذا فشلن في ذلك.

تحت هذه الضغوط، تذهب بعض النساء إلى أقصى الحدود لتحقيق حلم الأمومة.

على مدار أكثر من عام، كانت بي بي سي أفريقيا تحقق في عملية احتيال عرفت بـ “الحمل الغامض”.

يقوم المحتالون الذين يتظاهرون بأنهم أطباء أو ممرضات بإقناع النساء بأنهن خضعن لـ “علاج خصوبة إعجازي” مضمون لجعلهن حوامل. عادةً ما يكلف “العلاج” الأولي مئات الدولارات ويشمل حقنة أو مشروباً أو مادة يتم إدخالها في المهبل.

لا تعرف أي من النساء أو المسؤولين الذين تحدثنا إليهم خلال التحقيق ما الذي يحتوي عليه هذا العلاج بالتحديد. ولكن بعض النساء أخبرننا أنهن لاحظن تغييرات في أجسادهن، مثل انتفاخ البطن، مما جعلهن يعتقدن أكثر أنهن حوامل.

وتتلقى النساء اللواتي خضعن للعلاج تحذيرات من زيارة أي أطباء أو مستشفيات تقليدية، لأن أي فحص أو اختبار حمل لن يكشف عن “الطفل” الذي يزعم المحتالون أنه ينمو خارج الرحم.

وعندما يحين موعد “الولادة”، يتم إخبار النساء بأن المخاض لن يبدأ إلا بعد تحفيزهن بعقار “نادر وغالي الثمن”، ما يتطلب دفع مزيد من الأموال.

تختلف الروايات حول كيفية حدوث “الولادة”، لكن جميعها مثيرة للقلق.

تقول بعض النساء إنهن جرى تخديرهن ليستيقظن على علامة جرح مشابهة للولادة القيصرية. بينما أخبرتنا أخريات أنهن تلقين حقناً تسببت في حالة خمول وهلوسة جعلتهن يعتقدن أنهن في مرحلة الولادة.

في النهاية، تجد النساء أنفسهن مع أطفال يُفترض أنهن أنجبنهن.

تقول شيوما للمفوضة إيفي إنه عندما حان موعد “الولادة”، قام الطبيب المزعوم بحقنها في الخصر وأمرها بالدفع لإخراج الطفل.

لم تشرح شيوما كيف انتهى بها الأمر مع “هوب”، لكنها قالت إن الولادة كانت “مؤلمة”.

"الدكتورة روث" تدير عيادة وهمية للحمل في ولاية أنامبرا
التعليق على الصورة، “الدكتورة روث” تدير عيادة وهمية للحمل في ولاية أنامبرا

تمكّن فريقنا من التسلل إلى إحدى هذه “العيادات” السرية، حيث تواصلنا مع امرأة تعرف باسم “الدكتورة روث”، متظاهرين بأننا زوجان يحاولان الإنجاب منذ ثماني سنوات.

تدير “الدكتورة روث” عيادتها في السبت الثاني من كل شهر في فندق متهدم في مدينة إهيالا بولاية أنامبرا. خارج غرفتها، تنتظر عشرات النساء في ممرات الفندق، بعضهن ببطونٍ منتفخة بشكل ملحوظ.

الأجواء في المكان مليئة بالإيجابية. وفي إحدى اللحظات، تندلع الاحتفالات داخل الغرفة بعد أن تُخبر امرأة بأنها حامل.

عندما يحين دور مراسلينا المتخفين لرؤيتها، تخبرهم “الدكتورة روث” أن العلاج مضمون وفعال.

تقدم للمراسلين حقنة، مدعية أنها ستمكن الزوجين من “اختيار” جنس طفلهما المستقبلي، وهو أمر طبي مستحيل.

بعد أن يرفضا الحقنة، تعطيهم “الدكتورة روث” كيساً يحتوي على أقراص مسحوقة بالإضافة إلى بعض الأقراص الأخرى ليتناولوها في المنزل، مع تعليمات حول موعد ممارسة العلاقة الزوجية بينهما.

يبلغ ثمن هذا العلاج الأولي ما يزيد قليلاً عن 350 ألف نيرة نيجيرية (مئتي دولار).

لم تتناول مراسلتنا الأدوية ولم تتبع أياً من تعليمات “الدكتورة روث”، ثم عادت لزيارتها بعد أربعة أسابيع.

استخدمت “الدكتورة روث” جهازاً يشبه جهاز الموجات فوق الصوتية على بطن مراسلتنا، سُمع صوت يشبه دقات قلب، فهنأتهم على حملهم، واحتفل الجميع بالخبر السار.

طلبت “الدكتورة روث” من المراسلين دفع ثمن عقار “نادر” وغالي الثمن من أجل ولادة الطفل، والذي يتراوح سعره بين 1.5 إلى 2 مليون نيرة نيجيرية (نحو 1,000 دولار).

وتدعي “الدكتورة روث” أنه دون هذا الدواء، قد يستمر الحمل أكثر من تسعة أشهر، مشيرة إلى أن “الطفل سيصاب بسوء التغذية، وسنحتاج إلى بنائه مجدداً”، متجاهلة الحقائق العلمية.

لم ترد “الدكتورة روث” على الاتهامات التي وجهتها لها بي بي سي.

نساء يرتدين فساتين زاهية مزخرفة وهن يقفن في الممر في انتظار المقابلة
التعليق على الصورة، عشرات النساء ينتظرن مقابلة الدكتورة روث

من غير الواضح إلى أي مدى تؤمن النساء المعنيات بهذه الادعاءات.

ولكن يمكن العثور على أدلة حول سبب تعرضهن لمثل هذه الأكاذيب الصارخة، غالباً، في المجموعات عبر الإنترنت حيث تنتشر المعلومات المضللة حول الحمل على نطاق واسع.

شبكة من التضليل

الحمل الغامض أو الخفي هو ظاهرة طبية معترف بها، حيث تكون المرأة غير مدركة لحملها حتى مراحل متقدمة من الحمل.

لكن خلال تحقيقنا، اكتشفت بي بي سي وجود معلومات خاطئة على نطاق واسع في مجموعات وصفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” حول هذا النوع من الحمل.

إحدى النساء من الولايات المتحدة، التي خصصت كامل صفحتها على “فيسبوك” لـ “حملها الغامض”، تدعي أنها كانت حاملاً “لسنوات” وأن تجربتها لا يمكن تفسيرها علمياً.

في المجموعات المغلقة على “فيسبوك”، تتضمن العديد من المنشورات مصطلحات دينية لتمجيد “العلاج” الوهمي باعتباره “معجزة” لأولئك الذين عجزوا عن الإنجاب.

كل هذه المعلومات المغلوطة تساعد في تعزيز إيمان النساء بالخدعة.

ولا يقتصر أعضاء هذه المجموعات على نيجيريا فقط، بل يشملون أيضاً جنوب أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي وحتى الولايات المتحدة.

وبمجرد أن يُظهر شخص ما استعداده لبدء عملية الاحتيال، يتم دعوته للانضمام إلى مجموعات “واتساب” أكثر أماناً. هناك، يشارك المشرفون معلومات عن “العيادات الغامضة” وما تتضمنه هذه العملية.

“ما أزال في حيرة”

تخبرنا السلطات أنه لإتمام “العلاج”، يحتاج المحتالون إلى أطفال حديثي الولادة، ولهذا يسعون إلى العثور على نساء وصفتهن بالـ “يائسات والضعيفات”، كثيرات منهن شابات وحوامل، في بلد يُحظر فيه الإجهاض.

في فبراير/شباط 2024، داهمت وزارة الصحة في ولاية أنامبرا المنشأة التي “وضعت فيها” شيوما طفلها “هوب”.

حصلت بي بي سي على لقطات من المداهمة، التي أظهرت مجمعاً ضخماً مكوناً من مبنيين.

في أحد المباني كانت توجد غرف تحتوي على معدات طبية بينما في المبنى الآخر كانت هناك نساء حوامل محتجزات، بعضهن في سن السابعة عشرة.

وأخبرتنا بعضهن أنهن تعرضن للخداع للذهاب إلى هناك دون أن يكنّ على علم بأن أطفالهن سيُباعون لعملاء المحتالين.

بعض النساء، مثل “أوجو” (وهو ليس اسمها الحقيقي)، شعرن بالخوف الشديد من إخبار عائلاتهن بحملهن وبحثن عن طريقة للهروب. قالت إنها عُرض عليها 800 ألف نيرة نيجيرية (حوالي 500 دولار) مقابل طفلها.

عند سؤالها عما إذا كانت تندم على قرارها ببيع طفلها، قالت: “ما أزال في حيرة.”

وتقول المفوضة أوبينابو، التي عملت جاهدة على مكافحة هذه الخدعة، إن المحتالين يستهدفون نساءً مستضعفات مثل أوجو للحصول على الأطفال.

طفل رضيع بين ذراعي والدته
التعليق على الصورة، كانت أوجو لتبيع طفلها لولا أن أنقذتها السلطات

في نهاية الاستجواب، هددت المفوضة أوبينابو بأخذ الطفل هوب من شيوما. لكن شيوما دافعت عن قضيتها، وأصرت على أنها ضحية وأنها لم تدرك ما كان يحدث.

في النهاية قبلت المفوضة تفسيرها.

في الوقت الحالي، يحق لشيوما وإيكي الاحتفاظ بطفلهما، ما لم يتقدم والداه البيولوجيان للمطالبة به.

لكن الخبراء يحذرون من أنه ما لم تتغير المواقف تجاه النساء، والعقم، وحقوق الإنجاب، والتبني، فإن عمليات الاحتيال مثل هذه ستستمر في النمو والانتشار.

الوسوم

خالد ميمون

مدون جزائري. مستشار تقني في الاتصالات , مهتم بالتقنية المجتمع و الدين, يدون بشكل غير منتظم في مدونة البريد اليومي , ذو خبرة في مجالات : الاتصالات , الشبكات , الخوادم ,تصميم مواقع الانترنت الديناميكية و الحلول المخصصة, أنظمة لينيكس و البرامج مفتوحة المصدر.

مقالات ذات صلة

أترك تعليقا

إغلاق