اقتصاد
التعب الطويل: إرهاق يستمر بعد الإصابة بالعدوى
- Author, ديفيد كوكس
- Role, بي بي سي نيوز
-
قبل 49 دقيقة
قبل ظهور “كوفيد طويل الأمد”، كان هناك إرهاق ما بعد الفيروس، وهو مجموعة غامضة من الأمراض الناجمة عن عدوى أخرى، والآن بدأ العلماء في كشف أسرارها.
منذ إصابتها بعدوى حادة بكوفيد-19 في صيف عام 2023، تكافح راشيل إدواردز إرهاقاً شديداً لدرجة أنه تركها طريحة الفراش لأسابيع لأكثر من مرة، حيث تصف مديرة التسويق البالغة من العمر 31 عاماً التي كانت تتمتع بصحة جيدة سابقاً وتعيش في أمستردام، شعورها بأنها “تثقلها مرساة”.
وتقول إدواردز: “يختلف إرهاق كوفيد الطويل عن إرهاق رعاية الأطفال حديثي الولادة، أو الأيام الطويلة في المكتب، تخيل أنك أكملت أصعب ماراثون في حياتك مع قلة النوم وعدم وجود طاقة، ثم بعد انتهاء تأثير الأدرينالين، حاول صعود سلّم من 100 درجة، هكذا يشعر جسدي، لا تتحرك عضلاتي، ولا أستطيع حتى رفع يدي فوق رأسي”.
ومع جائحة كوفيد-19، جاء “كوفيد الطويل”، حيث اختفت الأعراض بعد الإصابة بالفيروس، والآن أصبح “كوفيد الطويل” نافذة جديدة لدراسة التعب بعد الفيروس، وهو مرض مماثل من الإرهاق المستمر الذي يعاني منه بعض الناس بعد التعافي من أنواع أخرى من العدوى.
ولطالما كان التعب بعد الفيروس غير مفهوم بشكل جيد، ولعدة سنوات كان يُنظر إليه غالباً على أنه نفسي، لكن هذا التعب الطويل الأمد بدرجات متفاوتة من الشدة كان مرتبطاً بالعدوى التي تتراوح من سارس إلى إيبولا وفيروس إبشتاين بار والإنفلونزا، فضلاً عن العدوى بمسببات الأمراض التي تنقلها حشرة القراد مثل بكتيريا بوريليا بورغدورفيري، التي تسبب مرض لايم.
قضية غامضة
روزاليند آدم، طبيبة عامة مقيمة في أبردين باسكتلندا، معتادة على رؤية المرضى الذين يعانون من التعب الشديد، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت مندهشة بشكل متزايد من الطبيعة العامة لهذا المصطلح، وكيف نستخدم هذه العبارة الفردية لتشمل كل شيء من التعب اليومي إلى العجز الشديد في الطاقة الذي يجعل الناس حبيسي المنزل وغير قادرين على العمل.
وتقول آدم: “لا أعتقد أنه ينبغي لنا أن نفكر في التعب كشيء واحد، وأود أن أفهم ما إذا كانت أنماط التعب المختلفة تستجيب بشكل منفصل لأساليب مختلفة”.
وبصفتها باحثة أكاديمية في جامعة أبردين، أطلقت آدم دراسة على 40 شخصاً يعانون من أشكال مختلفة من التعب، من مرضى كوفيد طويل الأمد إلى أولئك الذين يعانون من قصور القلب أو السرطان.
وللبحث، تم تزويدهم بأجهزة استشعار رقمية لتتبع مجموعة متنوعة من العلامات الجسدية من معدل التنفس إلى درجة حرارة الجسم، ونوعية النوم، ونشاط القلب ومستويات النشاط، إلى جانب تطبيق لتقييم التعب البدني والعقلي طوال اليوم.
والهدف هو استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأنماط في البيانات التي قد تمثل ما تسميه آدم “أنماط التعب”، وهي سمات مميزة يمكن استخدامها لتصنيف الأنواع الفرعية من التعب بشكل أكثر دقة، إذ تأمل أن تؤدي النتائج في النهاية إلى تجارب سريرية أكثر تفصيلاً للتعب، وربما تمهد الطريق لأدوية جديدة.
تحدٍ يومي
إن هذه الأنواع من التوقف الفسيولوجي تعتبر جزءاً أساسياً من متلازمة التعب المزمن ما بعد الإصابة (PEM)، حيث يجد المرضى مثل إدواردز أنفسهم محاصرين في حالة تجعل أدنى مجهود زائد يؤدي إلى تدهور صحي يستمر لأشهر وأحياناً لسنوات.
ويعتقد بوتريو أنه يوجد على الأقل عشرة تفسيرات معقولة لسبب تطور هذه المتلازمة لدى الأشخاص، تتراوح من اضطرابات النوم إلى خلل في الهرمونات والتهاب في بطانة الأوعية الدموية، لكن في العديد من هذه النظريات توجد الهياكل الأنبوبية المسؤولة عن إنتاج الطاقة، التي تسمى الميتوكوندريا، ويمكن العثور عليها في كل خلية من خلايانا.
وعندما تغزو الفيروسات خلايانا، فإنها تستولي على الميتوكوندريا وتستنزف بعض الطاقة التي يتم إنتاجها، وتستخدمها لمساعدتها على التكاثر ودفع المزيد من الفيروسات عبر الجسم.
ويقول بوتريو: “الآن لديك خلية تعمل بطاقة تتجاوز قدرتها لإنتاج الطاقة لتكاثر الفيروس وكذلك الوظائف العامة التي تحتاج إلى أدائها”.
ووفقاً لبوتريو، يعني هذا أنه أثناء محاولتنا التعافي من العدوى، يكون الجسم أيضاً في مواجهة ما يسميه “ديون الطاقة”، بعد أن كان ينتج ضعف الكمية المعتادة من الطاقة خلال مرحلة العدوى.
وفي إحدى النظريات حول سبب قدرة فيروسات مثل سارس-كوف-2 وفيروسات أخرى على التسبب في متلازمة التعب المزمن ما بعد الإصابة، قد تستمر كميات صغيرة من الفيروس في بعض أجزاء الجسم، وبالتالي، فإن العودة إلى الأنشطة الطبيعية قبل أن يتعافى الجسم من ديون الطاقة الخاصة به يمكن أن يؤدي إلى تدهور صحي، حيث يمكن للفيروس أن يشتعل مجدداً أو يعيد تنشيط الفيروسات الكامنة ويتسبب في مزيد من الضرر للميتوكوندريا.
وفي حالات أخرى، يُعتقد أن ضعف العضلات والإعاقات البدنية التي يصفها العديد من الأشخاص الذين يعانون من التعب المزمن بعد الفيروس ومتلازمة التعب المزمن ما بعد الإصابة، تنجم عن الإصابة الأولية التي تحفز حالة من المناعة الذاتية، مما يغير سلوك خلايا المناعة ويدفعها لمهاجمة الألياف العصبية التي تمكن العضلات من التقلص.
ولدى الناجين من مرض الإيبولا، ثبت أن المناعة الذاتية الشديدة ترتبط بأعراض التعب المزمن التي يعاني منها الكثيرون، بينما ارتبطت عمليات مشابهة بالإرهاق المزمن والعجز الذي عانى منه الناجون من تفشي السارس في أوائل العقد الأول من الألفية.
ويقول أفك روي، المدير العلمي في “سيمارون ريسيرش”، وهي منظمة غير ربحية تجري أبحاثاً حول علاج الأمراض العصبية المناعية: “قد تؤدي العدوى الفيروسية إلى إعاقة طويلة الأمد ودائمة في جهاز المناعة لدى الشخص، وقد تتسبب الاستجابات المناعية بسبب التغيرات في سلوك خلايا المناعة مثل الخلايا التائية، والخلايا القاتلة الطبيعية، والخلايا البالعة، في تلف طبقة المايلين للأعصاب المحيطية، مما يؤدي إلى ضعف العضلات والتعب”.
هناك فكرة ثالثة يدرسها بوترينو وآخرون، وتتعلق بضعف التخلص من المخلفات، فالعمل الإضافي يعني أن الميتوكوندريا تولد قدراً كبيراً من الإجهاد التأكسدي، ومع ذلك فإن الجسم غير قادر على التخلص منه بشكل كافٍ بعد نفسه، لأن الجهاز المناعي في حالة من الإرهاق المطول بعد محاربة الفيروس.
وهذا في حد ذاته قد يساهم في ظهور أعراض جسدية مثل ضباب الدماغ وإرهاق العضلات، مما يؤثر على القدرة على الحركة والعمل بشكل طبيعي، حتى أن إحدى الدراسات أظهرت أن مرضى كوفيد طويل الأمد لديهم تراكم للمخلفات السامة في ألياف عضلاتهم.
ونظراً لكل هذا، فإن النهج المعروف باسم “التحفيز”، والذي يحاول من خلاله المرضى العودة ببطء إلى مستويات طبيعية من النشاط البدني من خلال دفع أنفسهم تدريجياً للقيام بالمزيد، لا ينجح دائماً، فبعض مرضى لايم ومتلازمة التعب المزمن وكوفيد طويل الأمد، لديهم خلل كامن في أن “تحفيز النشاط” يمكن أن يجعلهم أسوأ في الواقع.
ويقول ديفيد سيستروم، أخصائي أمراض الرئة في مستشفى بريغهام والنساء: “يحتاج مرضى كوفيد طويل الأمد إلى تحقيق بعض التحسن في الحالة الوظيفية من خلال الأدوية قبل الشروع في أي شكل من أشكال التمارين التدريجية”.
ولكن العثور على الدواء المناسب يتضمن تحديد السبب الكامن وراء أعراضهم.
حلٌ ممكن
وعلى مدى عدة عقود من دراسة الأشخاص المصابين بمتلازمة التعب المزمن، سمعت كيلر عبارة “خلل الميتوكوندريا” مراراً وتكراراً كسبب محتمل لإرهاقهم المطول، ومع ذلك، تقول إن السؤال الرئيسي هو ما الذي يسبب اختلال الميتوكوندريا.
في بعض حالات التعب بعد الفيروس الناجم عن فيروسات الإيبولا والزيكا والإنفلونزا، اعتبرت الأبحاث أن السبب هو الضرر الفيروسي المباشر لحمض الميتوكوندريا النووي.
ووجدت الدراسات التي تتعمق في الآليات المحتملة أن الغزو الفيروسي يمكن أن يثبط إنتاج فوسفوكرياتين، وهي مادة كيميائية ضرورية لعملية توليد الطاقة، ولكن هناك حالات أخرى قد تعاني فيها الميتوكوندريا ببساطة من نقص الأكسجين.
يبدو أن فيروس سارس-كوف-2 والفيروسات الأخرى قادرة على دفع تكوين جلطات دقيقة، وهي جزيئات صغيرة تتحرك عبر الأوعية الدموية وتحاصر البروتينات المختلفة وتضعف تدفق الأكسجين، بينما في حالات أخرى، يمكن أن يؤثر الضرر الفيروسي على معدل ضربات القلب الطبيعي ووظيفة الجهاز التنفسي وتدفق الدم.
ويقول كيلر إنه إذا لم تتمكن الميتوكوندريا من الحصول على ما يكفي من الأكسجين للعمل بشكل طبيعي، فإن الجسم يتحول إلى إنتاج الطاقة اللاهوائية، وهي وسيلة لتوليد الطاقة التي عادة ما تكون مطلوبة فقط لاندفاعات قصيرة ومكثفة من النشاط مثل الركض بسرعة عالية.
ويضيف كيلر: “عندما يحدث هذا التحول نحو إنتاج الطاقة اللاهوائية أثناء بذل مجهود منخفض المستوى، فإنه حتى الأنشطة البسيطة للحياة اليومية ستؤدي إلى التعب”.
وفي ماونت سيناي، يقود بوترينو الآن تجربة سريرية تبحث فيما إذا كان الإنزيم المسمى لومبروكيناز، والذي يكسر الفيبرين، وهو بروتين يُعتقد أنه أساس الجلطات الدقيقة، يمكن أن يساعد في تحسين وظيفة الميتوكوندريا ومستويات الطاقة لدى مرضى كوفيد طويل الأمد ومتلازمة التعب المزمن (ME/CFS).
هذا مجرد حل من مجموعة كاملة من الحلول الممكنة التي يتم استكشافها .. ولدى مرضى كوفيد طويل الأمد حيث يبدو أن استمرار الفيروس أو الفيروسات المعاد تنشيطها بعد متلازمة التعب المزمن ما بعد الإصابة، يستكشف بوترينو ما إذا كانت أدوية فيروس نقص المناعة البشرية المختلفة المعاد استخدامها يمكن أن تساعد في استعادة هذه العدوى إلى شكلها الكامن.
وأطلقت شركة سيمارون ريسيرتش Simmaron Research جنباً إلى جنب مع مايو كلينك Mayo Clinic ومركز الأمراض المزمنة، تجربة سريرية لجرعة منخفضة من الراباميسين للأشخاص المصابين بمتلازمة التعب المزمن، لمعرفة ما إذا كان يمكن أن يحسن وظيفة الميتوكوندريا ونوعية الحياة من خلال تحفيز عملية جسدية رئيسة تسمى الالتهام الذاتي، وتشجيع الخلايا على إزالة وإعادة تدوير المكونات التالفة.
ويقول روي: “حتى الآن، أنتجت التجربة نتائج أولية واعدة للغاية”.
وتحدد هذه الثروة من الأبحاث أيضاً المكملات الغذائية التي قد تساعد الأشخاص الذين يعانون من أشكال أقل حدة من التعب بعد الفيروس على التعافي بشكل أسرع، إذ أن الإنزيم المساعد “Q10″، وهو مركب تستخدمه الميتوكوندريا لتوليد الطاقة، الذي وجد أنه يُستنفد لدى مرضى متلازمة التعب المزمن، متاح الآن دون وصفة طبية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – وهو مصنف كمكمل غذائي- وقد ثبت في بعض الدراسات أنه يقلل من التعب.
وتقول كيلر إن هذا البحث يساعد أيضاً في تحديد مجموعات فرعية من الأشخاص الذين يبدو أنهم أكثر عرضة لخطر التعب بعد الفيروس، وهي تعتقد أن الأشخاص الذين يعانون بالفعل من توتر عضلي أو عصبي كامن بسبب نمط الحياة أو الإصابات المزمنة أو العمليات الجراحية قد يكونون أكثر عرضة للخطر لأن هذه العوامل الأساسية ستثبط بالفعل توصيل الأكسجين حول الجسم.
وتقول: “لقد وجدنا أن التوتر الناتج عن الجلوس المتكرر أو لفترات طويلة، أو في عضلات الرقبة والصدر والكتفين بسبب الإفراط في استخدام الشاشات، وتصفح الهواتف المحمولة وانخفاض قوة وتحمل العضلات الأساسية التي تدعم العمود الفقري قد يكون عاملاً مساهماً، وقد تساهم الإصابات أو العمليات الجراحية التي تسبب ندوباً في النسيج الضام مثل عملية الولادة القيصرية أو تصغير الثدي، أيضاً هذا التوتر”.
ويقول بوترينو إنه من المهم أن نتطور في تحديد العوامل الدقيقة التي يمكن أن تتسبب في إصابة الناس بحالة من التعب لفترات طويلة، لأن هذا من شأنه أن يمكّن من تطوير تشخيصات أفضل وفي نهاية المطاف علاجات أكثر استهدافاً تستهدف مجموعات فرعية مختلفة من الأفراد.
ويقول بوترينو: “هناك العديد من العوامل الدافعة، ومن السذاجة الاعتقاد بأن دواءً واحداً أو تدخلاً واحداً سيعالج كل شيء، ولكن طالما أننا مستمرون في التحقق من الأدوية المستهدفة المحتملة، وفهم سبب عدم فعاليتها مع أشخاص مختلفين، فستكون لدينا فرصة للحصول على تجارب دوائية مركبة أكثر تطوراً في غضون 12 إلى 24 شهراً قادماً، وقد يؤدي هذا إلى بعض الأمل الحقيقي للأشخاص الذين يعيشون مع هذه الحالات المزمنة المرتبطة بالعدوى”.