اقتصاد
ما أبرز المعابر بين سوريا ولبنان، وكيف أصبحت هدفاً خلال الحرب؟
أعلنت السلطات اللبنانية خروج معبر جوسية – القاع، الذي يربط بين سوريا ولبنان، عن الخدمة بعد تعرضه لغارات إسرائيلية في الخامس والعشرين من أكتوبر تشرين الأول الماضي.
ويُعد هذا المعبر من المنافذ الاستراتيجية الهامة التي تربط بين لبنان وسوريا، وازدادت أهميته خلال الحرب الحالية بعد أن استخدمه عشرات الآلاف من الأشخاص للنزوح من لبنان إلى سوريا جراء تعرض البلاد لغارات جوية إسرائيلية مستمرة في الفترة الأخيرة.
وقصف الجيش الإسرائيلي المنطقة التي يقع فيها هذا المعبر الحيوي بعد أيام قليلة من غارة جوية استهدفت المعبر الأسبوع الماضي، إذ قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن “طائرات إسرائيلية استهدفت المعبر الكائن في ريف حمص للمرة الثانية في ثلاثة أيام، مما تسبب بأضرار كبيرة”.
فما هي الأهمية الاستراتيجية والإنسانية لهذا المعبر وغيره من المعابر التي تربط بين سوريا ولبنان في ضوء الأوضاع الراهنة؟
يقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لبي بي سي إن “معبر المصنع – جديدة يابوس الحدودي هو المعبر الأقرب إلى العاصمة السورية دمشق”، متهماً إسرائيل باستهداف المعابر لـ”قطع الطريق أمام القوات والإمدادات العسكرية أولاً، وعرقلة عودة الفارين من سوريا إلى لبنان بعد أن ضاق بهم الحال هناك، لا سيما أن هناك مناطق عديدة في لبنان لاتزال آمنة”.
وفيما يتعلق بالمنافذ غير الرسمية، أضاف عبد الرحمن أن “حزب الله له العديد من الطرق ولا يحتاج إلى معبر رسمي للتنقل بين سوريا ولبنان، وهو يستطيع التنقل بحرية وسهولة بين القرى في منطقة القلمون وريف دمشق الغربي على الجانبين السوري واللبناني”.
ورأى عبد الرحمن أن هناك احتمالات لأن يزيد خروج هذا المعبر عن الخدمة من معاناة المدنيين، خاصة أنه قطع أحد المسارات الرئيسية التي تُنقل عبرها المساعدات الإنسانية إلى لبنان على حد قوله.
“أهداف وخارطة طريق”
وتربط بين سوريا ولبنان ستة معابر حدودية رسمية تُستخدم في نقل السلع الأساسية والغذائية والوقود وانتقال الأفراد بغرض الحصول على التعليم والعلاج، وازدادت أهمية هذه المعابر منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، ثم عادت للواجهة مجدداً في الفترة الأخيرة بعد بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، إذ استخدمت المعابر في انتقال عشرات الآلاف من النازحين الفارين من ويلات الحروب من وإلى سوريا ولبنان.
والمعابر الرسمية بين البلدين هي معبر المصنع، الذي تم قصفه في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومعبر جوسية أو القاع، الذي قُصف مرتين خلال ثلاثة أيام الأسبوع الماضي، ومعبر الدبوسية، ومعبر العريضة، ومعبر تلكلخ، ومعبر مطربا.
يقول جورج العاقوري، الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، لبي بي سي إن “إسرائيل انتقلت إلى مرحلة أخرى في هذه الحرب، تستهدف الجسم التمريضي والدفاعي أي ما يعتبر خطوط دعم خلفية من خلال استهداف مؤسسات تابعة للحزب، ومرة أخرى شاهدنا استهداف القرض الحسن الذي يعتبر الدورة المالية والاقتصادية للحزب وبيئته. وبالتزامن مع ذلك، شاهدنا استهدافاً للمعابر غير الرسمية والرسمية مع سوريا في إطار الحصار الذي تحاول إسرائيل فرضه على إمدادات الأسلحة وربما الأموال التي قد تصل إلى حزب الله” على حد قوله.
اقتصاد حزب الله
ولمعبر جوسية – القاع، أهمية كبيرة فيما يتعلق بالشؤون المدنية الخاصة بسكان المناطق الحدودية في البلدين، خاصة فيما يتعلق بالتبادل التجاري، وازدادت أهميته بسبب حركة النزوح.
وبينما يرى رامي عبد الرحمن أن معبر جوسية – القاع، “هو شريان اقتصادي للبنان وكذلك طريق لنقل المساعدات إلى الداخل اللبناني”، يقول العاقوري إن “هذه المعابر الحدودية تعتبر شرياناً حيوياً لحزب الله، إذ كان هناك ما يعرف بالخطوط العسكرية حيث كانت تمر المواكب دون تفتيش على الأقل من الجانب اللبناني. كما أن هناك معابر غير رسمية نشطت في السنوات القليلة الماضية، ليس فقط عسكرياً لمرور المقاتلين وليست فقط أمنياً وليس فقط للعتاد، بل اقتصادياً أيضاً”.
من جانبها قالت نادين المجذوب، وهي صحفية مستقلة في لبنان، لبي بي سي: “تربط بين سوريا ولبنان ستة معابر حدودية رسمية، افتتح آخرها عام 2022، وتستخدم جميعها للحركة التجارية والمدنية، واستخدمت خلال الثورة السورية نقطة عبور للاجئين نحو لبنان، وتعرض بعضها للإغلاق سنوات عديدة، وتخضع لسيطرة النظام السوري”، ومشيرة إلى أن هناك عدداً من المعابر غير الشرعية بين البلدين، التي “تسيطر عليها عصابات وعشائر، وتعنى بكل أنواع التهريب والتجارة المخالفة للقانون” على حد قولها.
ماذا تقول إسرائيل؟
وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تعلن بشكل رسمي مسؤوليتها عن القصف داخل سوريا، إلاّ أن قصف معبر المصنع في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول، جاء بعد أن أعلن المتحدث العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن “حزب الله يستخدم معبر المصنع بين سوريا ولبنان لنقل وسائل قتالية إلى داخل لبنان”.
وطالب أدرعي السلطات اللبنانية بإجراء تفتيش صارم للشاحنات المارة خلال المعابر المدنية وإعادة الشاحنات والمركبات المحملة بوسائل قتالية إلى سوريا مرة أخرى.
وأضاف أدرعي أن “الجيش الإسرائيلي لن يسمح بتهريب هذه الوسائل القتالية، ولن يتردد في التحرك إذا اضطر لذلك على غرار ما قام به طيلة الحرب”.
وقال رامي عبد الرحمن لبي بي سي، إن “حزب الله يستطيع أن يتنقل عبر الحدود بسهولة، ولا فائدة من وجود نفق في هذا المكان”، موضحاً أن “الرواية الإسرائيلية في وجود نفق هي محض افتراء”.
ويرى عبد الرحمن أنه وعلى الرغم من أن المعبر “لم يعد للعمل بشكله المعتاد بعد تدميره المرات الماضية، وأصبح ممراً ضيقاً بالكاد تمر من خلاله سيارات دفع رباعي”، إلا أن ذلك “لا يدل على أن إسرائيل ستقف عند هذا الحد” على حد قوله.
بينما يرى العاقوري إن “ضرب المعابر هو تشديد للحصار على حزب الله لمنع أي إمدادات عسكرية عنه تزامناً مع ضرب مخازنه في لبنان وحتى في سوريا، وفي هذا الإطار شاهدنا تجميد المعبر الجوي الوحيد، إذ شددت الحكومة اللبنانية الرقابة على هذا المرفق.”
وأشار العاقوري إلى أن هذه المعابر “حيوية بالنسبة لحزب الله وضربها يندرج تحت تشتيت قدرات الحزب وتضييق الخناق عليه ووقف أي إمدادات تأتي له من العتاد والسلاح والأموال”.
وعن المعاناة التي يعيشها المدنيون بسبب قصف المعابر بين البلدين، أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن المدنيين أصبحوا يتنقلون سيراً على الأقدام، وهو ما يزيد من معاناتهم، مؤكداً أن هناك صعوبات تواجه عمليات نقل المرضى والجرحى إلى سوريا في ظل ارتفاع تكلفة العلاج في المستشفيات اللبنانية.
وتؤيّد المجذوب ذلك، إذ تقول إن “قصف المعابر الحدودية يؤدي إلى صعوبة في انتقال المدنيين من لبنان إلى سوريا هرباً من خطر الحرب، لاسيما النازحين اللبنانيين الذين يضطرون إلى الانتقال سيراً على الأقدام”، مشيرة إلى أنه “في حال توسع ضرب المعابر وإقفالها، فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى صعوبة في نقل البضائع عبر البر من وإلى لبنان”.