اقتصاد

شراكة فيفا وأرامكو: صراع القيم بين الرياضة والتحديات البيئية وحقوق الإنسان

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو

صدر الصورة، Getty Images

  • Author, عمرو فكري
  • Role, بي بي سي عربي – القاهرة
  • قبل 3 دقيقة

وقعت أكثر من 100 لاعبة كرة قدم من أنحاء العالم خطاباً مفتوحاً موجهاً إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، جاء مدعوماً من منظمة “رياضيي العالم” (Athletes of the World)، والتي تعمل على تعزيز الوعي الاجتماعي والبيئة بين الرياضيين، والتأكيد على أن للرياضيين صوتاً يؤثر في القرارات الرياضية والتجارية الكبرى، مع دعم المبادرات التي تتعلق بحقوق الإنسان والاستدامة.

بيان اللاعبات عبرن فيه عن رغبتهم في إنهاء شراكة فيفا مع شركة أرامكو السعودية، بسبب ما يرونه تناقضاً بين القيم البيئية التي يجب أن يدافع فيفا عنها، ودور أرامكو في إنتاج النفط، وهو ما يتعارض مع قيم الاستدامة وحقوق الإنسان والمبادئ البيئية التي ينبغي على فيفا أن يعتمدها كما يرون.

اللاعبات قالوا في البيان إنه جاء مدفوعاً بقلقهن من سجل السعودية في حقوق الإنسان وخاصة فيما يتعلق بحقوق النساء والحقوق المدنية، والقلق من تعريض سمعة كرة القدم للخطر، وإن الخسارة المالية من شراكة كهذه ستكون مقبولة من اللاعبات اللاتي سيكونون مهتمين بحقوق الإنسان والمبادئ البيئية، أكثر من الاستثمار في كرة القدم النسائية.

كما طالبت بمراجعة فيفا لعلاقاته التجارية مع الشركات التي قد تؤثر سلبًا على البيئة، وتعزيز شراكات أخرى مع شركات تساهم في دعم أهداف البيئة المستدامة، وتتماشى مع القيم الرياضية العاجلة، وطالبن بفتح باب النقاش بين فيفا واللاعبين قبل اتخاذ أي خطوة تجارية، مع مقترح بإنشاء لجنة مكونة من لاعبات ومديرات رياضيات تعمل على دراسة الشراكات المستقبلية فيفا.

ومن أبرز اللاعبات اللاتي وقعن على البيان الهولندية فيفيان ميديما، لاعبة نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، والتي أكدت على ضرورة مدافعة الفيفا عن القيم البيئية والاجتماعية في جميع شراكاته، ودعت لإعادة التفكير في الشراكة مع أرامكو لقناعتها أن هذه الشراكة تتعارض مع معايير العدالة البيئية وحقوق الإنسان، وكذلك الأمريكية بيكي ساوربرون التي خاضت أكثر من 200 مباراة دولية مع منتخب بلدها، أكدت على أهمية حماية البيئة وحقوق الإنسان، وإلى ضرورة أن تكون شراكات الفيفا مدروسة بعناية لتحقيق ذلك.

ردود أفعال المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي تباينت، ما بين مهاجم للشراكة ومؤيد للبيان، مدفوعًا بتخوفات على البيئة ومشكلات حقوق الإنسان، ومن أيد الشراكة مدعيًا أن هذا الهجوم يأتي كون الشركة سعودية، كما حدث من قبل مع استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022.

ما هي أرامكو؟

لافتة لشركة أرامكو السعودية في منشأة نفطية بالمملكة العربية السعودية

صدر الصورة، Reuters

أرامكو أو شركة النفط العربية السعودية هي أكبر شركة نفطية في العالم من حيث القيمة السوقية وحجم الإنتاج، وهي مملوكة بالكامل من قبل الحكومة السعودية، وتلعب دورًا رئيسيًا في صناعة النفط العالمية، كما تشارك في تكرير وتوزيع وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة في إطار رؤيتها المستقبلية.

وأعلنت أرامكو، في أبريل 2024، عن عقد اتفاقية تجارية مع الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، أصبحت بموجبها شريكاً رسمياً للفيفا في مجال الطاقة، وتتضمن الشراكة دعم الشركة للأحداث الكبرى التي ينظمها فيفا، ككأس العالم لكرة القدم للرجال 2026، وكأس العالم للسيدات في العالم الذي يليه، بالإضافة للتعاون في تطوير مبادرات الاستدامة والطاقة النظيفة في الرياضة.

وتعرضت الشركة للكثير من الانتقادات بسبب مساهمتها في تغيير المناخ بالتأثيرات البيئية السلبية كالانبعاثات الكربونية الضخمة، والتسربات النفطية التي تهدد الحياة البرية

وتساهم في التلوث البيئة والاحتباس الحراري، بخلاف استنزاف الموارد المائية في المناطق الصحراوية.

شركة النفط السعودية دافعت عن شراكة فيفا، وردت على الاتهامات بالتأكيد على التزامها بالاستدامة والعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية، وأبرزت عدة مشاريع في الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وأن استثماراتها تتماشى مع اهداف المملكة في التحول للطاقة النظيفة بحلول عام 2060.

كما أشارت أرامكو من قبل إلى برامجها في مجال المسؤولية الاجتماعية، والاستثمار في مشاريع تعليمية وصحية ومجتمعية لتطوير المجتمعات المحلية، كما أكدت أن شراكة فيفا ليس هدفها فقط الربح المادي، ولكن تهدف كذلك إلى تعزيز قيم الرياضة العالمية وتوسيع نطاق الفعاليات الرياضية العالمية.

استثمارات رياضية سعودية

مدينة أوستن، تكساس، الولايات المتحدة الأمريكية؛ سائق فريق أستون مارتن أرامكو للفورمولا 1 لانس سترول من فريق كندا يقود سيارته أثناء التدريبات لجائزة الولايات المتحدة الكبرى لعام 2024 في حلبة الأمريكتين.

صدر الصورة، Reuters

في السنوات الأخيرة استثمرت السعودية في شتى المجالات الرياضية، كالاستثمار في أندية رياضية خارجية كاستحواذ الهيئة العام للاستثمار السعودية على نادي نيوكاسل الذي ينشط في الدوري الإنجليزي الممتاز بريميرليج، أو أندية محلية، كاستثمار صندوق الاستثمار السعودي في الأندية السعودية الكبرى، ودعمها ماليا في العامين الأخيرين، ما جعل الدوري السعودي واحدًا من بين الأكثر إنفاقًا في العالم، والأكثر جذباً للاعبين كالبرتغالي كريستيانو رونالدو، والفرنسي كريم بنزيمة، والبرازيلي نيمار، والجزائري رياض محرز.

وضيّفت السعودية العديد من الفعاليات الرياضية الكبرى، كسباقات الفورميلا 1 وبطولة السعودية المفتوحة للتنس وعروض المصارعة الحرة الترفيهية WWE وعدة أحداث في رياضة الجولف والكريكت وكأس السوبر الإيطالي والإسباني لكرة القدم وغيرها، كذلك كان هناك استثمار في الرياضات الجديدة وغير التقليدية كسباقات الدراجات

الهوائية ورياضة القفز المظلي وبطولة السعودية لرياضة السيارات، حتى استضافة نهائيات دوري المقاتلين المحترفين لموسم 2024.

السعودية قامت بتطوير العديد من المشاريع الرياضية الضخمة، وروجت واستثمرت أكثر في فعاليات الرياضة النسائية، ووقعت عددًا من عقود الرعاية مع الشركات الرياضية الكبرى لدعم الأندية المحلية والفرق الوطنية، واستثمرت أكثر في الرياضات الإلكترونية.

الاستثمار السعودي الكبير في مجال الرياضة واجه الكثير من الانتقادات، أبرزها هو الغسيل المالي الرياضي، وإنفاق الكثير من الأموال من أجل تبييضها، بخلاف انتقادات موجهة بسبب حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية التعبير، والمعاملة غير العادلة للمعارضين السياسيين، مع التخوف من أن هذا الاستثمار الرياضي سيعزز من صورة الحكومة رغم هذه القضايا، كما أن هناك مشكلات التأثير البيئي المرتبطة بأرامكو، بسبب تأثيرها سلبياً على البيئة والتغير المناخي.

السعودية أكدت أن استثمارها الرياضي بهذه الكيفية، يأتي لتحويلها لمركز رياضي عالمي، وتعزيز الحضور في الرياضة بشكل عام، لتحقيق العديد من الأهداف، كجزء من رؤية 2030، أهمها هو تقليل الاعتماد الاقتصادي على النفط، وتحقيق التنمية المستدامة وتطوير البنية التحتية، وتعزيز السياحة والاقتصادي المحلي وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين الصورة الدولية تحقيق الإصلاحات الاجتماعية كتمكين المرأة، من إشراكها أكثر في الرياضة والسماح لهن بقيادة السيارات وإنشاء العديد من البرامج الرياضية لتعزيز الثقافة الرياضية.

بخلاف العوائد الاقتصادية من تضيّيف الفعاليات الرياضية الكبرى وتحفيز السياحة الرياضية ليرتفع الإنفاق المحلي على الفنادق والمطاعم والمواصلات وغيرها وتنويع الاقتصاد في القطاعات غير النفطية، فهناك أيضًا عوائد أدبية ومعنوية من تعزيز مكانة المملكة دوليًا، وبناء جسور ثقافية مع دول أخرى ما يعزز من التفاهم المتبادل والتعاون الدولي، وهو ما يصب في النهاية لتعزيز رؤية السعودية 2030 والهوية الوطنية، بتعزيز جودة الحياة وفتح فرص جديدة وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للمملكة.

التزام الاتحاد الدولي لكرة القدم

شعار الفيفا أمام مقره الرئيسي في زيورخ، سويسرا

صدر الصورة، Reuters

فيفا لم يصدر تصريح حول بيان اللاعبات، إلا أنه دائماً يؤكد سعيه لتعزيز الاستدامة والالتزام بالمبادئ البيئية من خلال شراكاته المختلفة، مع الالتزام بالمبادئ الخاصة بحقوق الإنسان والمساواة، ولم يتأكد ما إذا كان اتساع الضغط على فيفا بسبب شراكة أرامكو، وتسليط الضوء أكثر على هذه الشراكة، قد يؤدي إلى إعادة تقييمها أو لا.

شراكة فيفا وأرامكو ستعود بالنفع على الجانبين، إذ يهدف فيفا دائما لتنويع مصادر دخله، والشراكة مع أرامكو ستضخ استثمارات مالية ضخمة في البطولات الرياضية، كونها واحدة من أكبر الشركات العالمية من حيث الإيرادات، ما سيعزز البنية التحتية للملاعب والمرافق الرياضية حول العالم، وخاصة في الدول النامية.

على الناحية الأخرى فالشراكة ستسهم في توسيع العلامة التجارية للشركة عالمياً، والوصول لجمهور ضخم في أسواق متنوعة، كما ستحسن من صورتها على الساحة الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالمسؤولية المجتمعية ودورها في دعم الرياضة والتنمية.

فيفا واجه الكثير من الانتقادات سابقاً بسبب شراكاته المختلفة، كغازبروم الروسية إبان كأس العالم 2018 في روسيا، وقطر للطاقة خللا كأس العالم 2022، وكذلك شركات أخرى ككوكا كولا وأديداس وفيزا بسبب ظروف العمال وفضائح الفساد وغيرها، إلا أن شراكات فيفا شهدت تطورًا عبر التاريخ في معايير اختيار الرعاة.

كان الاتحاد الدولي في البداية يركز على الشركات الرياضية كأديداس ونايكي لتوفير المعدات الرياضية وغيرها، إلا أنه مع الوقت بدأ فيفا يوسع نطاق شراكاته لتشمل شركات متعددة الجنسيات للوصول لجمهور أوسع وتعزيز صورة الاتحاد الدولي لكرة القدم العالمية، ومع تزايد التكاليف المتعلقة بتنظيم البطولات، وتوسع شبكات البث التلفزيوني، بدأ فيفا في إبرام شراكات مع شركات ذات قدرة مالية ضخمة من قطاعات الطاقة والمؤسسات المالية، لتأمين الدعم المالي اللازم.

إلا أنه في السنوات الأخيرة ومع الكثير من الاتهامات بالفساد والضغوط بسبب حقوق العمال وقضايا الاستدامة والبيئة، بدأ فيفا في إعادة تقييم معايير اختيار الرعاة، وهو ما وضع فيفا أمام تحديات في اختيار الرعاة المستقبلين، وهو ما يطرحه بيان اللاعبات الآخر، بتكوين لجنة من اللاعبات تساعد فيفا في اختيار الرعاة المناسبين.

الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا يظل في مواجهة تحديات كبيرة بشأن استراتيجياته في اختيار الرعاة، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة حول القضايا البيئية وحقوق الإنسان، وبالرغم من الدعم المالي الذي توفره شركات كأرامكو لفيفا، إلا أن هذه الشراكات تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الرياضية والاجتماعية، نظراً لتأثيراتها السلبية المحتملة.

بيان اللاعبات يؤكد على أهمية أن تعكس قرارات فيفا قيم الاستدامة والمساواة، ويعكس وعي الرياضيين بدورهم في التأثير على القرارات الرياضية الكبرى، وهو ما قد يدفع فيفا لمراجعة استراتيجيته، ويفتح المجال أمام المزيد من الشفافية في عملية الاختيار، خاصة مع تصريح بعض اللاعبات بأن فيفا إن لم يراجع قرار شراكة أرامكو حتى كأس العالم لكرة القدم للسيدات في 2027، فقد يؤدي ذلك لاعتذار بعض اللاعبات عن البطولة، أو حتى مقاطعة من بعض الدول.

الوسوم

خالد ميمون

مدون جزائري. مستشار تقني في الاتصالات , مهتم بالتقنية المجتمع و الدين, يدون بشكل غير منتظم في مدونة البريد اليومي , ذو خبرة في مجالات : الاتصالات , الشبكات , الخوادم ,تصميم مواقع الانترنت الديناميكية و الحلول المخصصة, أنظمة لينيكس و البرامج مفتوحة المصدر.

مقالات ذات صلة

إغلاق