اقتصاد
ما خيارات اللاجئين السوريين إلى لبنان في ظلّ التصعيد؟
من لجوء إلى نزوح، هكذا يمكن اختصار حالة اللاجئين السوريين في لبنان، مع اضطرار عدد كبير منهم إلى حزم أمتعتهم والهرب من الغارات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.
استعاد هؤلاء في عملية النزوح الحالية ذكريات لجوئهم إلى لبنان هرباً من الحرب في سوريا، حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان حتى عام 2023 نحو 1.5 مليون لاجئ وفقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يشمل هذا العدد اللاجئين المسجلين وغير المسجلين.
ومنذ بدء الغارات الإسرائيلية على مناطق في الجنوب والبقاع وبيروت، بلغ عدد النازحين في لبنان نحو 70 ألفاً نازح موزّعين على 533 مركز إيواء في مختلف المناطق اللبنانية، وفقاً للأرقام الرسمية لوزارة الداخلية.
في الوقت نفسه، أعلنت هيئة إدارة الكوارث اللبنانية أن حوالي 15 ألفاً و600 شخص سوري عادوا إلى سوريا في الأيام القليلة الماضية، من أصل 22 ألف شخص عبروا الحدود اللبنانية – السورية.
قُتل العديد من السوريين المقيمين في لبنان نتيجة الغارات الإسرائيلية، وكانت الحصيلة الأكبر في بلدة يونين في البقاع، حيث أدت الغارة الإسرائيلية قبل يومين إلى مقتل عشرين شخصاً بينهم 19 من الجنسية السورية، بحسب مركز عمليات الصحة العامة التابع لوزارة الصحة.
صعوبات أمنية واقتصادية
يقول الصحافي الفلسطيني السوري المقيم في لبنان المعتصم خَلَف في حديثٍ إلى “بي بي سي عربي” إن “أوضاع اللاجئين السوريين كانت صعبة جداً قبل التصعيد الأخير”.
ويضيف: “مع الوضع المستجد هذا الأسبوع، خسرت أغلب العائلات وظائفها ومساكنها، وحرمت الفوضى أغلبية سكان الجنوب من الأمان الاقتصادي. ويعدّ اللاجئون السوريون من أبرز المتضررين، خصوصاً في ظلّ مخاوف من تعمق العنصرية والتمييز، بعد موجة التحريض العنصري التي ازدادت في الأشهر القليلة الماضية”.
جال خَلَف على المدارس التي تستقبل النازحين بفعل الهجمات الأخيرة في منطقة جلّ الديب ومحيطها شرقي بيروت، ولاحظ وجود بعض الناشطين الذين يحرصون على عدم التمييز بين الفئات المهمّشة، التي تشمل اللاجئين السوريين والعمال المهاجرين من بنغلادش وجنسيات أخرى.
تعمل جمعيات مدنية عدة على مساعدة النازحين من مختلف الجنسيات، ومن بين تلك الجمعيات جمعية “بسمة وزيتونة” التي تعنى بشؤون اللاجئين السوريين في لبنان.
وتحدثت “بي بي سي عربي” مع المنسق الإعلامي لجمعية “بسمة وزيتونة”، كريس غفري، الذي أكد أن الجمعية “تحاول تقديم مساعدات متساوية للنازحين السوريين واللبنانيين، وقد استطاعت حتى الآن تأمين إمدادات الكهرباء واحتياجات التنظيف الأساسية في بعض مراكز الإيواء في طرابلس وصيدا وبيروت”.
وعن خيارات العائلات السورية حالياً، يؤكّد خلف أنه “لا توجد أي خيارات؛ ففي الحرب تحاول العائلات السورية النزوح بين المناطق تدريجياً”.
إمكانيات العودة غير متاحة لكثيرين، مع توثيق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ما لا يقل عن 4714 حالة اعتقال تعسفي للاجئين عادوا إلى سوريا من لبنان. وإلى جانب مشاكل مثل التجنيد الإجباري، يواجه العائدون صعوبات أخرى، مثل إلزامهم بتصريف مئة دولار عند الدخول.
يقول خلف في هذا السياق: “لم يقدم النظام أي تسهيلات لعودة اللاجئين إلى سوريا؛ إذ ما يزال كل سوري مجبراً على تصريف مئة دولار لدخول بلده، وهذه المئة سوف تخسر من قيمتها تقريباً 40 بالمئة لأنها تُصرّف وفقاً لسعر المصرف المركزي”.
ويضيف أن بعض العائلات السورية التي رحّلتها السلطات اللبنانية إلى سوريا عادت إلى لبنان بشكل غير نظامي، وهي اليوم تعود إلى سوريا مجدداً بطريقة عكسية.
ويشير إلى مخاوف من “احتمال تجنيد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا من قبل القوات الروسية، وهو الأمر الذي ازداد في الآونة الأخيرة، خصوصاً أن أغلب العائلات تعود إلى سوريا وهي محكومة بظروف اقتصادية صعبة جداً”.
“كأنني طبّعت مع الألم”
من جهته، يقول أحمد الذي جاء من سوريا إلى لبنان عام 2013 عندما كان في العاشرة من العمر، إنه يشعر بأن ما شاهده خلال هذا الأسبوع مشهدٌ مألوف للغاية.
وفي حديثٍ مع “بي بي سي عربي” يؤكد أن “رؤية الناس يلجؤون إلى المدارس والحدائق ويستغيثون ببعضهم البعض هي مشاهد مألوفة جداً نشأت وأنا أراها”.
يقول: “كل ما شاهدته خلال هذا الأسبوع هي مشاهد مكرّرة. أشعر أنها طبيعية وكأنني قد تخدّرت. أعلم أن الوضع سيئ جداً، لكن ما مررنا به عائلتي وأنا في السنوات العشر الماضية جعلني للأسف أتأقلم بسرعة مع ما يجري حالياً”.
يروي أحمد الذي يسكن منذ مدة في منطقة الأشرفية ببيروت، أنه تلقى اتصالاً من أحد أقاربه طلب منه استضافة عائلة سورية نازحة من الجنوب.
يقول: “هذه العائلة اضطرت لمغادرة منزلها في منطقة الصرفند. لم تكن ترغب بمغادرة منزلها، خصوصاً أنهم قد غادروا منزلهم في سوريا من قبل، وقرروا ألا يكرروا الأمر مرة أخرى. كانوا مصرّين على البقاء حتى طلب منهم أشخاص من حزب الله مغادرة المنزل”.
وفي ردٍّ على سؤالٍ عما إذا كان يفكّر بالعودة إلى سوريا إذا استمرّ تفاقم الأوضاع في لبنان، يقول أحمد: “بغض النظر عن عدم قدرتي على العودة إلى سوريا بسبب التجنيد الإجباري والمشاكل الأمنية، إلا أنني لا أظنّ أنني سأغادر لبنان. هناك رابط عاطفي بيني وبين هذا البلد، ولا أريد المغادرة. في هذه اللحظة، فهمت ما كان يقصده آباؤنا عندما كانوا يقولون إنهم لا يريدون مغادرة منازلهم ومدنهم مهما اشتدت الصعوبات الأمنية. مهما حدث، سأبقى هنا”.
“المتضررون هم دائماً من الفئة نفسها”
بدورها، ترى سارة التي مضى على قدومها إلى لبنان من سوريا عاماً وتسعة أشهر، أن الخيارات أمامها منعدمة حالياً.
وتقول في حديث إلى “بي بي سي عربي”: “لا أستطيع المغادرة لأنني لا أملك إقامة، على الرغم من أنني طالبة، لكنني ما زلت أجهّز أوراقي وأسعى جاهدة لمواكبة التعقيدات الهائلة التي يطلبونها هنا من السوريين. إذا غادرت الآن، سأمنع من الدخول إلى لبنان مرة أخرى، ومن الصعب جداً أن يُمنع سوري من الدخول إلى هذا المنفذ الوحيد المتاح للسوريين. لو كانت معي إقامة، كان بإمكاني التفكير في مغادرة لبنان مؤقتاً إذا اشتدت الحرب أكثر، لكن الأكيد أن سوريا ليست خياراً على الإطلاق”.
تتابع سارة دراسة الماجستير في بيروت “بهدف الحصول على فرصة للذهاب إلى مكان لائق في هذا العالم”، كما تقول.
وتؤكد أن تجربة العيش في لبنان “ليست سهلة”. “إنها غربة وليست غربة في الوقت نفسه، كما أن الواقع الاقتصادي هنا مرعب. وضعي أفضل من وضع الكثيرين، لكن مع ذلك، هذه أصعب فترة في حياتي”.
وبالنسبة لتعاملها مع الوضع المستجد هذا الأسبوع، تقول: “بعد عشر سنوات من الحرب، أصبح بإمكان المرء أن يفهم بشكل أكبر معنى أن يكون موجوداً في بلد تستمر فيه الحرب، وكيف يتصرف وكيف ينجو قدر الإمكان. كل يوم يعود شريط الحرب ليتكرّر في ذهني وأمامي، وتعيد لي كل تجارب الاستجابات التي كنت أتعامل معها مع المنظمات التي كنت أعمل فيها حين كان يحدث إخلاء منطقة ما”.
وتضيف سارة: “المتضررون هم من الفئة نفسها دائماَ. قلبي يتمزق على الناس الذين خرجوا بملابسهم فقط، لأنني يوماً ما خرجت بملابسي فقط مثلهم، ولم أكن أعلم في تلك اللحظات أن حياتي ستتغير جذرياً إلى الأبد، وأنني لن أرى منطقتي أو بيتي الذي نشأت فيه، ولا بيوت أجدادي وأقاربي. أتمنى بشدة أن أكون مخطئة، وأن يتمكن هؤلاء الناس من العودة، وألا يكون هذا التهجير هو تهجيرهم الأبدي كما جرى معي”.