اقتصاد
كيف غيرت هجمات لبنان الموقف في الشرق الأوسط خلال أسبوع واحد؟
اتسمت الحرب في غزة منذ اندلاعها بإمكانية تحولها لحرب أوسع، فقد أدت الهجمات الصاروخية شبه اليومية على شمال إسرائيل التي نفذها حزب الله اللبناني – حليف حركة حماس- والغارات الجوية التي تشنها إسرائيل على مواقع حزب الله، إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود.
وحتى وقت قريب، كانت الرهانات الذكية موجهة إلى كل من إسرائيل وحزب الله لتجنب التصعيد الكامل، لكن يبدو أن هذا الرهانات لم تعد ذكية اليوم كما كان من قبل.
يبدو أن العملية الاستثنائية التي حدثت الأسبوع الماضي واستهدفت الآلاف من عناصر حزب الله من خلال تفجير أجهزة البيجر وأجهزة اتصال لاسلكية، قد غيّرت الحسابات.
ويُعتقد أن إسرائيل كانت وراء هذا الهجوم، فلماذا نُفذت هذه العملية، ولماذا الأسبوع الماضي تحديداً؟ وبماذا تخبرنا العملية عن كيفية إدارة الحروب الحديثة؟ وما الذي يمكن أن نتوقع حدوثه في الأسابيع المقبلة؟ وما مدى احتمالية نشوب حرب برية بين إسرائيل وحزب الله؟
ونبدأ أولاً بماهية حزب الله ومن أين جاء؟
ظهر حزب الله كجماعة مسلحة في أوائل الثمانينات بعد احتلال إسرائيل لجنوب لبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
وفي أوائل ظهوره، قدم تنظيم حزب الله نفسه على أنه مجموعة مقاومة ضد إسرائيل وصوت الطائفة الشيعية في لبنان، كما تقول لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) في لندن.
كيف تغيّر الهجمات الأخيرة المعادلة في الشرق الأوسط؟
عندما انسحبت إسرائيل من لبنان عام 2000، احتفظ حزب الله بأسلحته، منتهكاً قرار الأمم المتحدة الذي يطالبه بنزع السلاح. وواصل التنظيم تقديم نفسه كقوة ضرورية للدفاع عن لبنان، و”أصبح أقوى لاعب سياسي في البلاد”، وفقاً للينا الخطيب.
وتضيف الخطيب أنه على الرغم أن حزب الله مُمَثَل في الحكومة اللبنانية، إلا أن القوة الحقيقية لحزب الله تكمن وراء الكواليس – كجماعة مسلحة – ويرى الكثير من المحللين أنه أقوى من الجيش اللبناني، ولديه القدرة على تهديد معارضيه.
وتابعت: “حزب الله قادر على تحديد أجندة السياسة الخارجية للبنان إلى حد كبير، واتخاذ قرار إعلان الحرب نيابة عن لبنان”.
ويتحالف حزب الله مع إيران – الداعم الرئيسي للجماعة – وفقاً لمحرر الشؤون الدفاعية في مجلة الإيكونوميست شاشانك جوشي، الذي أضاف: “لا يوجد نوع من الأوامر المباشرة والفورية على مستوى القيادة، ولكن هذه القيادة مرتبطة بشكل وثيق للغاية في الأهداف والممارسات”.
والعنوان الذي من المفترض أن نستخدمه عندما نناقش هذه الهجمات هو أنه من المعتقد أن إسرائيل هي التي نفذتها لأنها حتى الآن لم تؤكد أنها فعلت ذلك، وهي سياسة راسخة من جانب المسؤولين الإسرائيليين.
وقال رونين بيرغمان، وهو صحفي استقصائي إسرائيلي يعمل في صحيفة نيويورك تايمز، إنه عندما تجري العمليات في الضفة الغربية وقطاع غزة، “فإنهم يميلون إلى تبني العملية، لكنهم لا يفعلون ذلك عندما يتعلق الأمر بلبنان أو إيران”.
ومع ذلك، يرى كثيرون على نطاق واسع أن هذه الهجمات (تفجير أجهزة الاتصالات) نُفذت بمعرفة الموساد، جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي.
فعلى النقيض من أجهزة المخابرات في جميع أنحاء العالم، فإن دور الموساد لا يقتصر فقط على جمع المعلومات المخابراتية، وفقًا لبيرغمان.
وأضاف الصحفي الاستقصائي أن “الموساد يرى أيضاً أن من واجب الموساد ترجمة المعلومات المخابراتية التي يجمعها إلى ما يسمونه بعمليات حركية أو هجمات مادية، بما في ذلك استخدام المتفجرات وأعمال التخريب والقتل الموجه”.
في اليوم التالي لهجمات البيجر، تم استهداف أجهزة الاتصال اللاسلكي أيضاً. فماذا نعرف عن هذه الهجمات؟
يُرجح أنه كان استهدافاً لسلسلة التوريد، إذ أنشأ الموساد شركات لعبت دور الواجهة، ويُعتقد أنها صنّعت أجهزة البيجر.
ويعتقد أن هذه الشحنة من أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكية التي وصلت إلى حزب الله فُخخت بالمتفجرات بمعرفة الموساد الذي تمكن من تفجيرها عن بعد.
ويقول بيرغمان، إنه في عام 2018، اكتشف ضابط مخابرات شاب أن حزب الله بدأ استخدام أجهزة البيجر وتوصل إلى فكرة اختراق الموساد لسلسلة الإمدادات الخاصة بهذه الأجهزة، وأضاف أن حزب الله حصل على حوالي 4500 جهاز مفخخ.
وهناك روايات تشير إلى أن الموساد كان على علم بمكان هذه الأجهزة ومن يستخدمها. مع ذلك، بدد جوشي شكه هذه الادعاءات.
وأشار إلى أن “ذلك لم يكن هجوماً إلكترونياً سحرياً تحترق فيه البطاريات تلقائياً بواسطة جزء ذكي يلتقط التعليمات البرمجية كما اعتقد الناس أو اشتبهوا في ذلك في البداية”.
وبُثت لقطات من كاميرات مراقبة لأجهزة بيجر تنفجر في جميع أنحاء لبنان.
كانت هذه الصور صادمة، كما أنها تخبرنا بالكثير عن تنظيم حزب الله وهيكله، وفقاً للخطيب.
وقالت مديرة معهد الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) في لندن، أن هذه الجماعة تعمل في سرية تامة و”ليس كل أعضائها معروفين حتى لأسرهم في بعض الأحيان”.
وأشارت إلى أن ما فعلته هذه الهجمات هو الكشف عن أعضاء حزب الله الذين يتقاضون أجورهم وينتسبون للحزب بالفعل، مؤكدة “أن هذه المعلومات ثبت أنها مفيدة جداً لإسرائيل”.
وتضيف أنه في إحدى الحالات، “تعقبت إسرائيل أحد الأشخاص الذين انتهى بهم المطاف في المستشفى، وقادها إلى معرفة مكان اجتماع قادة حزب الله يوم الجمعة”، مضيفة أن هؤلاء القادة استُهدِفوا بضربة إسرائيلية.
بالنسبة للبعض، قد تبدو هذه الهجمات وكأنها نوع جديد من الحروب، لكن جوشي ليس متأكداً تماماً، ويقول: “لطالما كان من الممكن وضع متفجرات داخل هاتف، جهاز بيجر أو حتى داخل موزة إذا أردت ذلك. السؤال هو: ما الهدف من ذلك؟”.
ويقول إن الأميركيين فكروا في تنفيذ هجمات مماثلة في الماضي، لكنهم أحجموا عن ذلك بسبب العواقب المحتملة.
ويوضح جوشي في النهاية، يعرف الجميع الآن أن إسرائيل قادرة على تنفيذ مثل هذه العملية، وبالتالي يمكن اتخاذ خطوات لمنع حدوث عملية أخرى في المستقبل – مثل تفكيك الأجهزة وفحصها بحثًا عن متفجرات، على سبيل المثال.
ونتيجة لذلك، يقول: “اقتراحي هو أننا لن نرى الكثير من الهجمات المشابهة لهذه”.
ومعنى ذلك أن هذه الهجمات كانت فرصة لن تتكرر، أو موقفاً ضمن معادلة “اغتنمها أو اخسرها”، وهو ما يشير إلى أنه بمجرد تنفيذ عملية كهذه، لا يمكن تكرار ذلك مرة أخرى.
ولهذا السبب، يقول بيرغمان إن هناك انقسامات داخل التسلسل الهرمي في إسرائيل حول ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك.
وقال بيرغمان إن “توقيت الهجوم مثير للاهتمام. فهناك الكثير من الأشخاص في المؤسسة الدفاعية الذين يشعرون بالغضب لأنهم قالوا إنه ليس من المفترض الضغط على هذا الزر في هذا التوقيت”.
ويثير ذلك تساؤلاً هاماً عما كانت تفكر فيه إسرائيل عندما نفذت تلك الهجمات؟
في السابق، كان من يُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تسعى لتجنب الدخول في صراع شامل مع حزب الله ولا تريد حرباً على جبهتين أثناء قتالها في غزة، وقد تلقي هذه الهجمات الضوء على أن حسابات إسرائيل قد تغيرت في الفترة الأخيرة.
ويقول رونين بيرغمان إن معظم جنرالات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك رئيس الأركان، لا يزالون يعارضون الغزو البري للبنان، مدركين من تجربتهم خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أنه يمكن أن يكون “فخ موت”.
وأشار إلى أن الهدف كان إجبار الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، على الموافقة على وقف إطلاق النار دون أن تنهي إسرائيل الحرب في غزة.
وسبق أنه تعهد نصر الله بأنه لن يتوقف عن دعم حماس حتى تنهي إسرائيل حربها في غزة، وقال الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي إن ذلك يأتي “في وقت لا يريد فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنهاء الحرب مع حماس، من أجل الحفاظ على تماسك ائتلافه الحاكم”.
ويرجح أن حسابات إسرائيل كانت تشي بأن هجمات أجهزة النداء واللاسلكي من شأنها أن تقلب موازين الأمور، مما يسمح للجيش الإسرائيلي بالتركيز على غزة، لكن بيرغمان يقول: “بطبيعة الحال، يكمن خطر ذلك في أنه سيؤدي إلى نتيجة عكسية، فقد يؤدي ذلك، بدلاً من وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي، إلى حرب شاملة”.
وقالت لينا الخطيب إن غزو جنوب لبنان براً سيكون “حماقة شديدة”، فحزب الله مستعد جيداً، ويتمتع بخبرة طويلة في الحرب البرية.
لكن جوشي قال إن الأمر لا يزال يشكل خطراً، فالضربات الجوية الأخيرة ضد مستودعات أسلحة حزب الله، فضلاً عن الهجمات على قيادات الجماعة، “تتضمن جميع أنواع الإجراءات التي يتعين عليك القيام بها قبل حملة برية كبيرة داخل لبنان”.
ويقودنا ذلك إلى السؤال حول ما إذا كانت قدرة حزب الله قد تدهورت إلى هذا الحد في الأسابيع القليلة الماضية وهُزت ثقته إلى حد أنه في الواقع ليس في وضع يسمح له بخوض حرب شاملة.
وأضاف جوشي أن حزب الله تلقى “ضربة قوية” بعد القضاء على الكثير من قياداته، وأردف: “مع ذلك، أعتقد أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنه لا يملك قوة صاروخية كبيرة تحت تصرفه”.
وتمثل آلاف الصواريخ لدى حزب الله والتي تستهدف تل أبيب وحيفا وبلدات ومدن إسرائيلية أخرى، سبباً رئيسياً وراء عدم رغبة إسرائيل دخول حرب شاملة مع هذا التنظيم، كما هو الحال بالنسبة للآلاف من سكان شمال إسرائيل الذين تم إجلاؤهم بالفعل من منازلهم بسبب القتال عبر الحدود، الذين يمثلون سبباً أخرَ لحرب شاملة مع الجماعة اللبنانية.
وقالت لينا الخطيب إن “الأشخاص الذين بقوا هم الأشخاص الذين لا يملكون الوسائل اللازمة للفرار، لكن من المؤكد كما يبدو أن الأمور لن تهدأ في أي وقت قريب”.