اقتصاد
خاص – ملايين الأطفال بلا تعليم في دول عربية، وتحذيرات من كارثة “عابرة للأجيال”
مع بداية العام الدراسي الجديد، لن يرتدي ملايين الأطفال في دول عربية زيا مدرسياً جديداً مثل أقرانهم حول العالم.
حصلت بي بي سي على تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) يسلط الضوء على تأثير الحرب والصراع على التعليم في لبنان وليبيا والأراضي الفلسطينية والسودان وسوريا واليمن، وقد أشار التقرير إلى أن ملايين الأطفال يواجهون تعطلاً حاداً في تعليمهم نتيجة الصراعات والحروب التي تدمر البنية التحتية التعليمية، وتحد من الوصول إليها.
وحذر التقرير من العواقب طويلة الأمد، واحتمال حدوث ما وصفه بكارثة “عابرة للأجيال” إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.
ويعاني أكثر من نصف الأطفال في المنطقة من “فقر التعلم”، إذ لا يستطيعون القراءة أو فهم نص مناسب لأعمارهم بحلول سن العاشرة. ويُقدّر أن 15 مليون طفل في سن الدراسة (من 5 إلى 14 عاماً) هم خارج المدرسة، و10 ملايين طفل آخر معرضون لخطر الانقطاع عن التعليم.
وتقول أفرديتا سباهيو، خبيرة التعليم في اليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بيان أُرسل لبي بي سي إن النزاعين الرئيسيين الدائرين في غزة والسودان يتطلبان بذل جهود مكثفة لتوفير الاستجابة الإنسانية الفورية وخدمات التعليم، بما في ذلك الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي.
غزة: جيل خارج النظام التعليمي
واجه الطلاب الفلسطينيون تحديات كبيرة في الحصول على تعليم جيد وآمن لعقود من الزمن، لكن تصاعد العنف في أعقاب الهجوم الذي نفذته حماس في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدى إلى تفاقم أزمة التعليم ووصولها لمستويات غير مسبوقة، بحسب منظمات حقوقية وإغاثية دولية.
وحسب تقرير صادر في أغسطس / آب 2024 عن مجموعة التعليم الدولية، وهي آلية تنسيقية تجمع بين المنظمات والوكالات لتلبية احتياجات التعليم أثناء الأزمات الإنسانية، فإن هذه التحديات في الضفة الغربية تشمل “استهداف المعلمين والطلاب بالعنف، والعمليات العسكرية الإسرائيلية والغارات على المدارس وما حولها، وعنف المستوطنين، وتدمير المرافق التعليمية، والقيود على الحركة، والعوائق البيروقراطية”.
أما قطاع غزة، فيواجه بشكل خاص “وضعاً حرجاً في ما يتعلق بالتعليم، إذ تسببت الحرب في غزة في حرمان 625.000 طفل في سن الدراسة من عام دراسي كامل بسبب الدمار الواسع الذي لحق بالمدارس والمنشآت التعليمية الأخرى”، حسب تقرير اليونيسيف الذي اطلعت بي بي سي على أجزاء منه.
وقد تعرض ما يقرب من 93% من مدارس القطاع البالغ عددها 564 لأضرار بالغة، حيث يتطلب 84.6% منها إعادة بناء بالكامل، وفقاً للتقرير.
وذكر أن تأثير الحرب المستمرة كان كارثياً: إذ لم يتمكن 39.000 طالب على الأقل من أداء امتحانات التوجيهي، وهي امتحانات الثانوية العامة التي يتقدمون لها في العام الحاسم للانتقال إلى التعليم العالي، كما لم يتمكن أكثر من 21.000 معلم من العمل بسبب انعدام الأمن ونقص الأماكن التعليمية الآمنة.
ويشير التقرير أن جميع أطفال غزة البالغ عددهم 1.2 مليون طفل يحتاجون إلى دعم عاجل على صعيد الصحة النفسية، وإلى الدعم النفسي الاجتماعي كذلك.
السودان: تعليم على شفا الانهيار
شاركت صفحة اليونيسيف على منصّة إكس مقطعاً مصوراً للمتحدث باسم المنظمة جيمس إلدر من مدرسة في العاصمة الخرطوم يظهر فيه وهو يسير وسط عشرات الأطفال الذين يفترشون الأرض في ساحة المدرسة، وتُسمع في الخلفية أصوات إطلاق نار حي. وقال “المشاهد في السودان صادمة. ملايين الأطفال في أنحاء السودان أجبروا على الفرار، ويتعرضون للهجوم يومياً منذ 16 شهراً وسط لا مبالاة دولية”.
ويواجه نظام التعليم في السودان شبح الانهيار التام، إذ هناك أكثر من 19 مليون طفل خارج المدرسة، منهم 12.5 مليون نزحوا حديثاً.
تقول أفرديتا سباهيو، خبيرة التعليم في اليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنه دون اتخاذ إجراءات فورية، قد تصل خسائر التعلم والقدرة على الكسب لهذه الجيل إلى 26 مليار دولار سنوياً.
وتضيف أن الوضع في السودان يفاقم من مخاطر أخرى مثل عمالة الأطفال، والزواج المبكر، والتجنيد من قبل جماعات مسلحة.
ويعيش سكان السودان في ظروف متردية للغاية، في ظل حرب مستمرة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني منذ ستة عشر شهراً تقريباً. الحرب الدائرة حصدت أرواح الآلاف، ودفعت عشرات الملايين من السودانيين إلى النزوح داخل البلاد وخارجها، في وقت يواجه فيه الطرفان المتحاربان اتهامات بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين، وإعاقة وصول المساعدات، مما يعمق المأساة الإنسانية.
اليمن: نظام تعليمي منهك
يصف التقرير نظام التعليم في اليمن بأنه منهك بشدة، ويشير إلى أن 2.7 مليون طفل خارج النظام التعليمي، بينما يحتاج 8.6 مليون إلى دعم لمواصلة تعليمهم، مع تعرض ما يقرب من 2.800 مدرسة للتدمير، أو التضرر، أو إعادة الاستخدام لأغراض غير تعليمية.
ورغم الجهود المستمرة لدعم المعلمين، وتقديم الدروس العلاجية، وتأهيل المدارس، فإن التحديات في اليمن هائلة، مع تعرض ملايين الأطفال لخطر فقدان حقهم في التعليم.
ويشهد اليمن منذ سنوات حرباً أهلية قتلت عشرات الآلاف وجوّعت الملايين. وبحسب الأمم المتحدة، تعد الأزمة الإنسانية في اليمن من بين الأسوأ على مستوى العالم، حيث يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، البالغ تعدادهم حوالي 33 مليون نسمة، إلى المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة.
ويفيد التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن الأوضاع في اليمن، بأنه بالرغم من انخفاض حدة الأعمال العدائية وأعداد الضحايا بين المدنيين، إلا أن الأزمة التي اتّسمت بالنزوح المطول على نطاق واسع، والتهميش، والأعراف التمييزية، لا تزال لها تأثير عميق على الناس في جميع أنحاء البلاد.
أدى عدم الاستقرار المستمر في ليبيا إلى فجوات كبيرة في التعليم، خاصة بين الأطفال الصغار والمراهقين.
ويشير التقرير إلى أن تراجع الالتحاق بالمدارس، خاصة بين الأطفال النازحين داخلياً، أصبح شائعاً بشكل متزايد، حيث أبلغ 11% من الأسر أن أطفالها في سن الدراسة لم يسجلوا في التعليم الرسمي خلال العام الدراسي 2021/2022.
بالإضافة إلى أن هناك أكثر من 175.800 طفل معرضون للخطر ويحتاجون إلى الحماية، في حين أن حوالي 111.400 طفل على وشك فقدان الوصول إلى التعليم إذا لم يتم تقديم المساعدات الإنسانية لهم بشكل عاجل.
ولم تنعم ليبيا بسلام يذكر منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011، وانقسمت في عام 2014 بين فصيلين أحدهما في الشرق والآخر في الغرب. وانتهت حرب دامت لفترة طويلة بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في عام 2020 مع محاولات لإعادة الوحدة، لكن الانقسامات لا تزال قائمة.
حاجة ملحة
وشددت اليونسيف على ضرورة تعزيز التعليم الشامل والمستجيب للنوع الاجتماعي، والجيد في المناطق المتضررة.
وأوصت بتحسين البنية التحتية، ومرافق المياه والصرف الصحي والنظافة، وإدماج دعم الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في الاستجابات التعليمية لمساعدة الطلاب والمعلمين على التعامل مع ضغوط الأزمات المستمرة.
كما دعت منظمة اليونيسيف إلى تعزيز بناء القدرات الوطنية والبرامج الشاملة، خاصة للأطفال ذوي الإعاقة والنازحين.
ومع استمرار الأزمات في هذه المناطق، يشدد التقريرعلى الحاجة الملحة إلى الدعم الدولي لمنع الانهيار التام لأنظمة التعليم، الذي قد تكون له عواقب وخيمة على ملايين الأطفال ومجتمعاتهم.
المصممون وفريق الصحافة المرئية: ليوني روبرتسون، مريم نيكان، ورئيس حسين