اقتصاد
طبيبات يسردن قصص تعرضهن للعنف والتحرش
- Author, فرهات جافيد
- Role, بي بي سي أوردو، من باكستان
-
قبل 26 دقيقة
تقول نساء عاملات في مستشفيات في باكستان إنهن يتعرضن بانتظام للتحرش الجنسي والعنف والإساءة اللفظية من قبل زملائهن الذكور والمرضى وأسرهم. وفي أعقاب اغتصاب وقتل طبيبة متدربة، تبلغ من العمر 31 عامًا، أثناء عملها في مستشفى هندي، أخبرتنا أكثر من 12 منهن أنهن قلقات بشأن سلامتهن. وطلب معظمهن عدم نشر أسمائهن، خوفًا من فقدان وظائفهن و”شرفهن واحترامهن”.
قبل بضعة أشهر، جاءت طبيبة شابة إلى الدكتورة نصرت (ليس اسمها الحقيقي) وهي تبكي وقالت لها إنه بينما كانت تستخدم المرحاض، قام طبيب بتصويرها من خلال ثقب في الحائط وكان يستخدم الفيديو لابتزازها.
وتشرح الدكتورة نصرت: “اقترحت تقديم شكوى إلى وكالة التحقيقات التي تتعامل مع الجرائم الإلكترونية، لكنها رفضت وقالت إنها لا تريد أن يتم تسريب الصور ووصولها إلى أسرتها أو أقارب زوجها”، مضيفة أنها تعرف ما لا يقل عن 3 حالات أخرى تم فيها تصوير طبيبات سراً.
وقد صادف أن كانت الدكتورة نصرت تعرف أحد كبار رجال الشرطة والذي ذهب وتحدث إلى المبتز، وحذره من أنه قد يتم القبض عليه بسبب ما فعله، وتأكد ضابط الشرطة من حذف الفيديو.
وتقول الدكتورة نصرت: “لسوء الحظ، لم نتمكن من اتخاذ المزيد من الإجراءات، لكننا غطينا الثغرة حتى لا يتمكن أحد من فعل ذلك مرة أخرى”.
وشاركت نساء أخريات تجاربهن في التحرش الجنسي، بما في ذلك الدكتورة آمنة (ليس اسمها الحقيقي)، التي كانت طبيبة مقيمة في مستشفى حكومي قبل 5 سنوات عندما استهدفها أحد رؤسائها.
وتقول: “عندما رآني وأنا أحمل ملفًا في يدي، حاول الانحناء فوقه، والإدلاء بتعليقات غير لائقة، ومحاولة لمس جسدي”.
وتقدمت آمنة بشكوى إلى إدارة المستشفى، لكنها تقول إنها قوبلت بلامبالاة حيث “قيل لي إنني كنت هناك لفترة قصيرة فقط، وسألوني عن الدليل الذي لدي على هذا التحرش، وقالوا إننا لم نتمكن من إصلاح هذا الشخص خلال 7 سنوات، ولن يتغير شيء، ولن يصدقك أحد”.
وتقول الدكتورة آمنة إنها تعرف نساء أخريات تمكن من تسجيل مقاطع فيديو للتحرش، “لكن لا يحدث شيء حيث يتم نقل المتحرش إلى جناح آخر لبضعة أشهر، ثم يعود”.
كان عليها إكمال فترة تدريبها للتأهل كطبيبة لكنها انتقلت بمجرد انتهاء التدريب.
وجدنا قصتها شائعة بشكل مزعج حيث وصفت ممرضة متدربة سابقة كيف كان طبيب في غرفة العمليات “يحاول لمسي بشكل غير لائق عندما أعطيته أدوات جراحية، كان يمسك بيدي”. وتضيف قائلة: “لقد حاول مرارًا وتكرارًا الاقتراب مني وأمسك بكتفي، وأصدر إشارات”.
لقد فازت بمنحة دراسية لدراسة التمريض في إسلام آباد وكانت تخشى أن يتم إلغاؤها إذا قالت أي شيء. وأوضحت قائلة: “لم يكن أحد ليستمع، إذا اشتكت ممرضة حيث سيقولون كيف تجرؤ على إلقاء مثل هذه الادعاءات على طبيب محترم؟”.
كان من المفترض أن تستمر الدورة لمدة 3 سنوات، لكن الأمور ساءت لدرجة أنها توقفت بعد عام.
وتقول الدكتورة سمية طارق سيد، رئيسة قسم الجراحة في مستشفى الشرطة في كراتشي ورئيسة أول مركز لأزمات الاغتصاب في البلاد، إن جذور المشكلة تكمن في الافتقار إلى الثقة والمساءلة.
وتصف سنوات خدمتها الـ 25 بأنها معركة مستمرة ضد العنف والخيانة، وتقول إنها شعرت بخيبة أمل إزاء الطريقة التي يتم بها التعامل مع الأمور.
وتروي كيف حبسها زملاؤها في غرفة قبل بضع سنوات عندما كانت في دور مختلف حيث أرادوا منها تغيير ما كتبته في تقرير فحص ما بعد الوفاة عن شخص قُتل.
وقالت: “هددوني قائلين وقّعي عليه وإلا فلن يكون لديك أي فكرة عما سنفعله بك”، لكنها رفضت ولم يتم اتخاذ أي إجراء ضدهم.
وتوضح طبيبة أخرى في مستشفى حكومي في البنجاب أنه قد يكون من الصعب الإبلاغ عن الإساءة، لأن المستشفيات تفتقر إلى لجان رسمية حيث يمكن للطاقم الطبي من الإناث تقديم الشكاوى بثقة.
وتضيف: “غالباً ما تضم اللجان الموجودة نفس الأطباء الذين يضايقوننا، أو أصدقائهم، فلماذا يتقدم أي شخص بشكوى ويجعل حياته أكثر صعوبة؟”.
ولا توجد إحصاءات رسمية متاحة عن الاعتداءات على العاملات الصحيات في باكستان. ومع ذلك، يرسم تقرير صادر عن المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة في عام 2022 صورة مقلقة حيث يشير إلى أن ما يصل إلى 95 في المئة من الممرضات في باكستان واجهن العنف في مكان العمل مرة واحدة على الأقل في حياتهن المهنية. ويشمل ذلك الاعتداء والتهديدات وكذلك الإساءة اللفظية والعقلية من الزملاء والمرضى وزوار المستشفى.
ويتوافق هذا مع تقرير في مجلة الطب وطب الأسنان الباكستانية والذي يقتبس دراسة أجريت عام 2016 لمستشفيات القطاع الحكومي في لاهور والتي أشارت إلى أن 27 في المئة من الممرضات تعرضن للعنف الجنسي. كما يستشهد بدراسة من مقاطعة خيبر بختونخا في شمال غرب باكستان والتي أشارت إلى أن 69 في المئة من الممرضات و 52 في المئة من الطبيبات هناك تعرضن لنوع من التحرش الجنسي في مكان العمل.
وتروي الدكتورة سمية سيد اعتداءً مزعجاً بشكل خاص وقع في كراتشي في عام 2010 وتقول: “استدرج طبيب في مستشفى حكومي ممرضة إلى نزله، حيث لم يكن بمفرده كان هناك طبيبان آخران أيضًا”. وقد تعرضت الممرضة للاغتصاب وكانت في حالة من الذهول الشديد لدرجة أنها قفزت من السطح ودخلت في غيبوبة لمدة أسبوع تقريبًا.
وتضيف قائلة:”لم يحدث أي شيء بالتراضي، لكنها قررت عدم متابعة القضية”.
وهي تعتقد أن المجتمع غالبًا ما يلقي باللوم على الضحايا وإذا كانت قد أبلغت عن ذلك “فإن اللوم كان سيقع عليها”.
وتقول إن المضايقات والتهديدات تأتي من المرضى وأصدقائهم وعائلاتهم أيضًا، ووصفت كيف هاجم أفراد من الجمهور فريقها أثناء تعاملهم مع الجثث في المشرحة العام الماضي.
وأضافت قائلة: “اضطر شخصان إلى صد الضربات من شخص حاول ضربي، لمجرد أنني طلبت منه عدم تصوير مقاطع فيديو”.
وقد سجلت شكوى لدى الشرطة وهي الآن تنتظر أن تشق القضية طريقها عبر المحكمة. وتضيف: “يتعين علينا أن نواصل دورنا في النضال فالصمت لن يؤدي إلا إلى تقوية الجناة”.
وتصف طبيبات أخريات أيضا الافتقار إلى الأمن باعتباره مشكلة، وخاصة في المستشفيات التي تديرها الدولة، حيث يقولون إن أي شخص يستطيع الدخول دون رادع. وقالت 3 طبيبات على الأقل إن الأشخاص الذين اعتدوا عليهن كانوا مواطنين عاديين دخلوا المستشفى وهم في حالة سُكر رغم أنه يُحظر شرب الكحول إلى حد كبير في باكستان.
وتوضح الدكتورة ساديا (ليس اسمها الحقيقي) أن العديد من زميلاتها في مستشفى حكومي كبير في كراتشي تعرضن للتحرش الجنسي بشكل متكرر. وتقول: “غالبا ما يكون هؤلاء الأشخاص تحت تأثير المخدرات وهم يتجولون في المستشفى”.
وأضافت قائلة: “في إحدى الأمسيات، كانت إحدى زميلاتي في طريقها إلى جناح آخر عندما بدأ رجل مخمور في مضايقتها، وفي مرة أخرى، تعرضت طبيبة أخرى لاعتداء، وتمكن بعض الأطباء الآخرين من التخلص من الرجل، ولكن لم يكن هناك حراس أمن حولهم”.
وتقول الممرضة إليزابيث توماس (ليس اسمها الحقيقي) إن الحوادث التي يحاول فيها المرضى المخمورون لمسهن شائعة. وتضيف قائلة: “نشعر بالرعب، ولا نعرف ما إذا كان علينا علاج الرجل أو حماية أنفسنا، نشعر بالعجز التام، ولا يوجد موظفو أمن لمساعدتنا”.
وتقول الدكتورة ساديا إنهن لا يعرفن حتى “ما إذا كان الشخص الذي يمسح الأرض أو يتجول في الجناح مدعيًا أنه من الموظفين هو في الواقع موظف”.
وتقول الدكتورة آمنة وهي تستعيد ذكريات عملها في مستشفى حكومي في البنجاب قبل 5 سنوات: “في المناطق النائية، انسى الأمن، ليس لديهم حتى إضاءة مناسبة في الممرات”.
ووفقًا لمسح اقتصادي أُجري في باكستان عام 2023، فإنه يوجد 1284 مستشفى حكومي في البلاد، ويزعم الأطباء أن تدابير الأمن سيئة للغاية.
ويقول العاملون في مجال الرعاية الصحية إن العديد من المستشفيات إما تفتقر إلى كاميرات المراقبة أو لديها عدد قليل جدًا منها، وتلك الموجودة غالبًا لا تعمل بشكل صحيح. ويقولون إن الآلاف من المرضى وأسرهم يزورون هذه المستشفيات يوميًا، وأصبحت الاعتداءات على الموظفين الطبيين أمرًا شائعًا.
وتروي الدكتورة ساديا كيف اضطرت ذات مرة إلى الاختباء عندما هاجمها قريب لأحد المرضى لأنها انتظرت وصول نتائج الاختبار قبل إعطاء المريض حقنة معينة.
وقالت: “كان رجلاً طويل القامة، وبدأ يصرخ في وجهي وتم دفعي إلى الباب حيث هددني قائلاً اعطيه الحقنة الآن، وإلا سأقتلك”.
وتقول إليزابيث توماس إن العديد من العاملات في التمريض في باكستان ينتمين إلى مجتمعات أقلية غير مسلمة، مما قد يجعلهن عرضة للخطر بطرق أخرى.
وأوضحت قائلة: “أعرف العديد من الممرضات اللاتي يتعرضن للمضايقات، وإذا لم يمتثلن، يتم تهديدهن باتهامات بالتجديف، وإذا كانت الممرضة جذابة، غالبًا ما يُطلب منها تغيير دينها”.
وأضافت قائلة: “نحن نتساءل دائما كيف نرد لأنه إذا لم نفعل ما يريدون، فقد يتهموننا زوراً بالتجديف، وقد حدث ذلك لممرضات”.
بالإضافة إلى الإساءة، تصف الطبيبات كيف يتحملن نوبات عمل طويلة ومرهقة مع نقص المرافق الأساسية.
وتقول الدكتورة ساديا: “خلال عملي مررنا بأوقات لم يكن لدينا فيها غرفة للراحة أثناء مناوبة عمل مدتها 30 ساعة، كنا نخرج ونستريح في سيارة زميل لمدة 15 دقيقة أو نحو ذلك”.
وأضافت قائلة: “عندما كنت في جناح الطوارئ، لم يكن هناك مرحاض، لم يكن بوسعنا الذهاب إلى المرحاض أثناء مناوبة العمل التي تستمر 14 ساعة حتى عندما كنا في فترة الحيض، لم يكن بوسعنا استخدام المرحاض”.
وتقول إن المراحيض المخصصة لموظفي المستشفى كانت بعيدة جدًا لدرجة أنهن لم يكن لديهن الوقت للذهاب واستخدامها.
وكان الموظفون الذكور قادرين على استخدام مراحيض قوات الأمن شبه العسكرية عند نقطة التفتيش خارج المبنى، ولكن هذه المراحيض كانت مخصصة للرجال فقط. ولم يكن من المفترض أن يستخدم موظفو المستشفى مرافق المرضى، التي كانت مزدحمة بالفعل.
وقد طلبت بي بي سي من وزراء الصحة المحليين في المقاطعات الأربع التي عملت فيها هؤلاء النساء التعليق على الأمر، فضلاً عن منسق الصحة الوطنية في إسلام آباد، لكنها لم تتلق أي ردود.
ومنذ اغتصاب وقتل الطبيبة المتدربة في الهند، تكثفت المناقشات بين الطبيبات في باكستان حول كيفية ضمان سلامتهن.
وتقول الدكتورة ساديا إن الأمر أثر عليها بشدة، وقد غيرت روتينها: “لم أعد أذهب إلى الأماكن المظلمة أو المهجورة، وكنت قد اعتدت على استخدام السلالم، لكنني الآن أشعر بأمان أكبر عند استخدام المصاعد”.
وتقول إليزابيث توماس إن الأمر هزها أيضًا. وتضيف قائلة:”لدي ابنة تبلغ من العمر 7 سنوات، وكثيراً ما تقول إنها تريد أن تصبح طبيبة، لكنني أتساءل باستمرار، هل الطبيبة آمنة في هذا البلد؟”.