اقتصاد
لماذا يتهافت الناس على شراء أحدث إصدارات الهواتف الذكية؟
نهنئ جميع محبي الهواتف الذكية الذين يحتفلون بإصدارات جديدة من هذه الهواتف. في هذا الوقت من العام يبذل عمالقة التكنولوجيا كل ما في وسعهم لإقناعك بتحديث أدوات الاتصال الذكية التي تستخدمها وشراء الأحدث منها.
وشاهدنا في الفترة الأخيرة إطلاق شركة غوغل أحدث هواتفها Pixel 9، وتكشف شركة أبل النقاب عن iPhone 16 في 20 سبتمبر/أيلول.
وأطلقت سامسونج أحدث إصدارات هواتفها القابلة للطي، Z Flip6 و Z Fold6، في يوليو/ تموز الماضي، كما قررت شركة هواوي رفع سقف الرهان في إطار هذه المنافسة بعد أن كشفت النقاب عن هاتفهاMate XT، في الصين، والذي يتميز بمرحلتين من الطي تُمكن المستخدم من طي الشاشة ليتقلص حجمها إلى الثلث.
ووسط تباطؤ مبيعات الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم، أصبحت الرسائل التسويقية المستخدمة من الشركات التي تطلق هذه المنتجات التي يتم نشرها مبهرة بشكل متزايد.
وتبارى المسؤولون في هذه الشركات في عرض تلك الرسائل، إذ وعد تيم كوك، رئيس شركة أبل، بأن يعيد هاتف iPhone16 “تعريف ما يمكن أن يفعله الهاتف الذكي”، مهما كان ما يعنيه ذلك. وتحدث برايان راكوفسكي، نائب رئيس إدارة منتجات غوغل، عن التصميم “المذهل” لجهاز Pixel 9 “الرائع” (ولا أخفيكم سراً: لا يزال يبدو مثل المستطيل الأسود بالنسبة لي).
كما أن لشركة هواوي الآن أغنية خاصة بعلامتها التجارية الاستهلاكية، كما تقول للصحف ووسائل الإعلام أنها “تعبر بقوة عن السعي وراء الأحلام، وتسلط الضوء على أن كل إنجاز ونجاح حققته الشركة ينبع من الإيمان بالأحلام”.
نعم، ما زلنا نتحدث عن الهواتف.
وحققت كل من أبل وغوغل نجاحاً كبيراً على مستوى خصائص الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن لتطبيق Magic Editor الجديد من غوغل إضافة محتوى أُنشئ باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى الصور، بالإضافة إلى إزالة الأجزاء التي لا تريدها (بدرجات متفاوتة من النجاح، حسب تجربتي).
كما تحتوي خدمات Apple Intelligence الموجودة على هاتف iPhone16 الذكي على تطبيق تشات جي بي تي، الذي تطوره شركة OpenAI، والمدمجة في المساعد الرقمي Siri – الذي يقول كثيرون إنه كان بحاجة إلى التحديث منذ فترة طويلة.
ولكن هل يهتم المستخدمون بالفعل بكل هذه الأشياء؟
وقال خبير الهاتف الذكي بن وود، من شركة الأبحاث CCS Insight، إنه على الرغم من أن خصائص الذكاء الاصطناعي يُراد بها جعل الحياة الرقمية أسهل، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن تكون هذه الخصائص على رأس قائمة أمنيات الجميع.
وأضاف: “أعتقد أن معظم الناس يعرفون الآن ماذا يريدون من الهاتف، وأحد أهم هذه الأشياء الكاميرا”.
ويعرف مصممو الهاتف الذكي هذا أيضاً. فعادةً ما تكون المواصفات التقنية لكل كاميرا هاتف جديدة بمثابة إضافة جديدة مقارنة بالجيل السابق. لكن حتى هذا لم يعد بين العوامل التي يمكن أن نضمن أثرها في المبيعات بعد الآن.
وتابع وود: “ما يحدث بالتأكيد هو أن الناس يحتفظون بهواتفهم لفترة أطول” مضيفاً: “في عام 2013، كان هناك 30 مليون هاتف يُباع سنوياً، هذا العام قد تسجل المبيعات حوالي 13.5 مليون”.
وهناك أيضاً أزمة تكلفة المعيشة المستمرة التي تؤثر على قرارات الإنفاق لدى الناس. كما أن هناك تكلفة بيئية مرتبطة بكل جهاز، وجميعها تحتوي على عناصر نادرة ومعادن ثمينة”.
وتُراجع بعض المدارس في المملكة المتحدة سياسات الهواتف الذكية الخاصة بها، وقد اختار عدد قليل منها بالفعل فرض حظر كامل على استخدام الطلاب لها أثناء الدراسة. وأُطلق إصدار من الهواتف الذكية ذات التهيئة الخاصة للتلاميذ الذين بدأوا في مدرسة إيتون العامة في هذا الفصل الدراسي (أحياناً، تُعرف باسم هواتف البكم، لكنه اسم غير متداول بكثرة)، وسمعتُ عن عدة مؤسسات في القطاعين العام والخاص تدرس أن تحذو حذو هذه المدرسة.
وتوصي شبكة الهاتف المحمول EE بعدم استخدام الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 11 سنة هواتف ذكية على الإطلاق.
وتقود شركة نوفا إيست فرع شمال وغرب لندن حملة “طفولة خالية من الهواتف الذكية” التي تحث الآباء والمدارس على التعاون من أجل تأخير السن الذي يتم فيه منح الأطفال أجهزة الهاتف.
وقالت الشركة: “لسنا مناهضين للتكنولوجيا، بل فقط مناصرون للطفولة. ونود أن نرى شركات التكنولوجيا تطور هاتفاً صديقاً للأطفال يقدم الخصائص الأساسية فقط مثل المكالمات والرسائل والموسيقى والخرائط، دون أي وظائف إضافية”.
وقالت ساشا لوتشيوني، عالمة تعمل في قسم الأبحاث في شركة Hugging Face للذكاء الاصطناعي، إنه حتى الآن لا يبدو أن هذه الرسالة قد وصلت.
وأضافت: “هناك حديث متزايد عن مفهوم الرصانة الرقمية، في الطريقة التي نبني بها ونستخدم التكنولوجيا – ولكن يبدو أن مصممي الهواتف الذكية يسيرون في الاتجاه المعاكس تماماً”.
وأود أن ترى ذلك شركات أبل، وغوغل، وسامسونغ، إذ قالت الشركة الأخيرة: “يمكن لمستخدمي سامسونغ اختيار كيفية استخدام هواتف غالاكسي الخاصة بهم التي تناسب احتياجاتهم بشكل أفضل. على سبيل المثال، تتيح خصائص الرفاهية الرقمية للمستخدمين، تحديد الخصائص التي يستخدمونها، ومتى يستخدمونها ومدة استخدامها، مثل ضبط الشاشة بحد زمني لتطبيقات محددة يريدون تقييدها”.
وهناك من بين الشركات المنتجة للهواتف الذكية من يبدي اهتماماً بالدعوات المتزايدة لتقليل وظائف الهاتف هي الشركة الفنلندية HMD – التي لا تزال تصنع هواتف نوكيا الأساسية. وأطلقت هذه الشركة الشهر الماضي هاتفاً يحمل طابع باربي بالتعاون مع شركة ماتيل لصناعة لعب الأطفال. وبالفعل جربت هذا الهاتف، وأستطيع أن أصفه بكلمتين “عملي ووردي”.
مثل معظم الهواتف ذات التهيئة الخاصة، لا يحتوي على تطبيقات ولا متجر تطبيقات ولا كاميرا سيلفي، بل لعبة واحدة فقط. إذا كنت ترغب في الاستماع إلى الموسيقى هناك راديو إف. إم.
وتتوقع شركة CCS Insight أن تسجل مبيعات الهواتف الذكية في المملكة المتحدة هذا العام حوالي 400 ألف هاتفاً مهيئاً تهيئة خاصة – وهو ما لا يكفي لإنزال iPhone من أعلى قمة قائمة الهواتف الأكثر مبيعاً حول العالم قريباً، ولكنه يبقى كرقم يعبر عن حصة لا بأس بها من السوق.
وراقبت الوقت الذي استغرقه في النظر لشاشة الهاتف الذكي على مدار الأيام السبعة الماضية، وكان المتوسط حوالي خمس ساعات يومياً، ومن المسلم به أن هذه إحصائية واقعية – ولكنها لم تكن كلها تصفحاً لأشياء سلبية (بصراحة شديدة). وفي الحقيقة، هاتفي هو أداة عمل، وأداة للتعامل مع البنك وإجراء التعاملات المالية، وأقوم بالتسوق من خلاله، وأعرف به الاتجاهات، واتعرف على حالتي الصحية، كما أضع الخطط الأسرية باستخدامه، بالإضافة إلى الألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي.
وقال بيت إيتشلز، أستاذ علم النفس والتواصل العلمي في جامعة باث سبا، والذي كتب على نطاق واسع حول مسألة وقت الشاشة: “أعتقد أن الشيء الذي ننساه دائماً هو أن هناك قدراً هائلاً من الفوائد من استخدام الهواتف الذكية”.
وأضاف: “لكننا نميل إلى التركيز أكثر على السلبيات. ومن المهم دائمًا أن نأخذ في الاعتبار أن هذه تقنيات مناسبة. وهي أيضاً تساعدنا، لذا فإن لها وجهاً جيداً أيضاً”.