اقتصاد
الجامعات الخاصة: كيف يقف ارتفاع أسعارها أمام أحلام طلاب متفوقين في الثانوية العامة في مصر؟
لم يكن مجموع إبراهيم حامد، الذي حصل على 97 في المئة في امتحان الثانوية العامة المؤهل للمرحلة الجامعية في مصر، كافيا ليضمن الطالب مكانا في أي من كليات الطب الحكومية المصرية.
يقول حامد لبي بي سي: “لا أستطيع أن أتخيل مستقبلي سوى كطبيب، أنا لم أقصر في الدراسة. المجموع الذي حصلت عليه ليس قليلا، لكن الأعداد المتقدمة للجامعة كبيرة جدا، والأماكن محدودة”.
مجموع إبراهيم يؤهله للالتحاق بأحد كليات الطب في الجامعات الخاصة الموجودة في مصر.
لكن نظرا لارتفاع مصروفات تلك الجامعات كان على إبراهيم أن يزيح هذا الاحتمال أيضا من قائمة اختياراته.
إذ يبلغ متوسط مصروفات كليات الطب الخاصة في الجامعات المصرية الخاصة نحو 150 ألف جنيه مصري (حوالي عشرة آلاف دولار) للعام الوحد، ويصل في بعض الجامعات لأكثر من 250 ألف جنيه (أكثر من 15 ألف دولار).
ويصف رضا مسعد، الأستاذ بكلية التربية بجامعة عين شمس، ومساعد وزير التعليم المصري السابق، هذه الأسعار بأنها “متوحشة”.
ويقول مسعد لبي بي سي:” الجامعات الخاصة تغالي في أسعار مصروفاتها بشكل غير مقبول، لكننا لا نستطيع أن نفعل شيئا في مواجهة ذلك. والمشرع المصري ترك الأمر للعرض والطلب”.
ويرى صديق عفيفي، الذي يملك عددا من الجامعات والمدارس الخاصة في مصر، أن الأمر برمته يعود لسياسات العرض والطلب، فالقانون يعطي للجامعات الحق في تحديد أسعارها.
ويقول عفيفي لبي بي سي: “الجامعات الخاصة لا تجبر أحدا على الانضمام إليها، بل تملك أغلب الجامعات الخاصة قوائم انتظار للطلاب الراغبين في الانضمام لها. ومن لا تعجبه الأسعار، يمكنه اللجوء للتعليم المجاني”.
ويقول عبد الحفيظ طايل، مدير مؤسسة الحق في التعليم، وهي مؤسسة مصرية غير ربحية، إن هذا الفرق بين الطلب والعرض يمكن أن يعزى إلى ما وصفه بتخلي الدولة عن دورها في توفير التعليم المجاني.
ويقول طايل: “الدولة توقفت عن إنشاء جامعات جديدة منذ تسعينيات القرن الماضي، على الرغم من الزيادة الكبيرة في السكان، وهذا ما فتح الباب لرجال الأعمال لدخول هذا المجال والتعامل معه كسلعة”.
وطبقا للإحصاءات الرسمية، يوجد في مصر 28 جامعة حكومية، بينما يبلغ عدد الجامعات الخاصة في البلاد 25 جامعة، أنشيء أغلبها خلال الثلاثين عاما الماضية.
المنح الدراسية
تجددت آمال إبراهيم مرة أخرى مع إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن 100 منحة دراسية مجانية في الجامعات الأهلية لأوائل الثانوية العامة، تمول عن طريق صندوق “تحيا مصر”.
لكن تلك الآمال لم تلبث أن تبددت هي الأخرى.
إذ يقول إبراهيم: “المنح مقدمة فقط لأوائل الثانوية العامة، أما أنا فعلى الرغم من مجموعي الذي يعتبر مرتفعا، فلن أستطيع المنافسة”.
لكن هذه المنح هي ليست الوحيدة المتاحة، فالعديد من الجامعات الخاصة في مصر تقدم منحا دراسية للمتفوقين في المرحلة الثانوية، لكن إبراهيم ليس واثقا أن بإمكانه الحصول على إحدى هذه المنح.
ويبرر ذلك قائلا: “عدد المنح الممنوحة من الجامعات الخاصة لا يتعدى خمسة آلاف منحة، وهناك مئات الآلاف يسعون للحصول على هذه المنحة، ومعايير الحصول على منحة كهذه يتضمن بعض المهارات التي لا أمتلكها حاليا، مثل كتابة طلب مطول باللغة الإنجليزية، وفي بعض الأحيان خوض امتحانات جديدة لا تقل بعضها صعوبةً عن امتحانات الثانوية العامة نفسها”.
يتفهم عبد الحفيظ طايل مخاوف إبراهيم، ويرى أن هذا الأسلوب يعد بمثابة “انتخاب طبيعي” للطلاب، إذ يتمكن من يثبت جدارته فقط من أن يحصل على تعليم جيد، أما بقية الطلاب “العاديين” فيتركوا لمواجهة مصيرهم مع التعليم الحكومي على حد تعبيره.
وتتفق ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب المصري، مع طايل، وترى أن عدد المنح الدراسية المقدمة من الممكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير.
وتقول نصر لبي بي سي: “القطاع الخاص شريك في التنمية وعليه أن يشارك بأكبر قدر ممكن في دعم المنظومة التعليمية، خاصة في ظل الأرباح الضخمة التي يحققها”.
القروض البنكية
إذا فشل إبراهيم في الحصول على منحة دراسية، فغالبا لن يبقى أمامه سوى حل وحيد للالتحاق بإحدى كليات الطب، وهو القروض البنكية.
فمع ارتفاع تكاليف التعليم الخاص خلال الأعوام الماضية، بدأت العديد من البنوك المصرية في تقديم أنواع جديدة من القروض مخصصة لسداد مصروفات الجامعات الخاصة.
ويقول مصدر في القطاع المصرفي لبي بي سي إن 18 بنكا قد أعلن هذا العام عن تقديم هذه القروض الدراسية بفوائد أقل من فوائد القروض العادية.
وأشار المصدر الذي رفض ذكر اسمه: “العام الماضي، لم يقدم هذا النوع من القروض سوى سبعة بنوك، وهذه الزيادة تؤكد الإقبال الشديد من العملاء”.
ويقول عبد الحفيظ طايل إن هذا النموذج مستنسخ من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لكن مستوى الدخول في مصر لا يسمح بهذه الحلول.
ويقول طايل: “الاقتصاد المصري لا يتحمل التوسع في هذه القروض، كما إن عددا كبيرا من الطلاب لن يتمكنوا من الاستفادة من هذا التوجه، نظرا لضخامة مبالغ أقساط السداد المطلوبة”.
وتبلغ قيمة القروض الدراسية في الولايات المتحدة الأمريكية حاليا أكثر من تريليون دولار.
الجامعات الأهلية
الأجيال القادمة ربما تكون أكثر حظا من إبراهيم، فقد أعلن الرئيس المصري منذ أيام عن إنشاء أربع جامعات أهلية جديدة، إضافة لجامعتين أقيمتا بالفعل خلال الأعوام القليلة الماضية.
والجامعة الأهلية هي جامعة غير هادفة للربح، تدار بواسطة مجلس أمناء، ويدفع الطلاب مقابلا ماديا للالتحاق بها، لكن هذه الأموال تضخ بشكل مباشر في العملية التعليمية لضمان استمرار عمل هذه الجامعات، ورفع مستواها.
ويرى رضا مسعد، أستاذ التربية بجامعة عين شمس، أن هذه الخطوة هي محاولة من الدولة لسد الفجوة بين القطاع العام والخاص.
ويقول مسعد لبي بي سي: “هذه الجامعات قادرة على تقليل الطلب على الجامعات الحكومية، ما قد يتسبب في خفض أسعار الجامعات الخاصة”.
لكن صديق عفيفي، رئيس مجلس أمناء جامعة ميريت الخاصة، يرى أن تسمية هذه الجامعات بأنها “أهلية” تعد مغالطة.
ويقول صديق في حديثه لبي بي سي: “الدولة تدعم هذه الجامعات وتمنحها الأراضي، بالإضافة للعديد من التسهيلات، الأمر الذي يخل بسياسات المنافسة في السوق الحر”.
كما يبدي طايل، رئيس منظمة الحق في التعليم، تخوفا من هذه الجامعات، ويرى أنها تحل أزمة التكلفة، وليس جودة التعليم.
ويقول طايل: “هذه الجامعات هي مجرد فروع راقية من الجامعات الحكومية، لكن الفرق بين المحتوى الذي تقدمه وما تقدمه الجامعات الخاصة لا يزال كبيرا”.
تشريعات جديدة
وترى ماجدة نصر، عضوة لجنة التعليم بمجلس النواب المصري، أن المشكلة الأساسية هي في غياب التشريعات التي تضبط زيادة أسعار التعليم الخاص.
وتقول النائبة التي تنتمي لتحالف الأغلبية في البرلمان المصري: “نحاول الآن أن نعد مشروع قانون يحدد نسب واضحة لزيادة مصروفات الجامعات الخاصة، ويضع حدا أقصى للمصروفات، ويسمح للمستثمر بتحقيق هامش ربح ولكن دون مغالاة”.
لكن صديق عفيفي يرى أن هذه الخطوة ستكون كارثية إن حدثت لأن تكلفة إنشاء وإدارة جامعة تعد مرتفعة جدا.
ويبرهن عفيفي قائلا: “إحدى الجامعات الخاصة معروضة للبيع حاليا مقابل ثمانية مليارات جنيه مصري، فكيف سيتمكن المستثمر من جمع هذه الأموال إذا تم تخفيض المصروفات الجامعية؟”
وتقول الحكومة المصرية إن عدد الطلاب المقيدين في مختلف مراحل التعليم العالي في مصر يبلغ نحو ثلاثة ملايين طالب، بينما لا يتجاوز عدد الطلاب المقيدين بالجامعات الخاصة 200 ألف طالب، يمثلوا حوالي ستة ونصف في المئة من إجمالي هؤلاء الطلاب.