تقنية

من اللاهور إلى ليفربول؛ حكاية أول فيروس في البشرية!

في يوم ما لم يكن لنا إلا تلك الشاشة السوداء مع بضعة حروف باللون الأبيض على شاشة قديمة من فئة CRT التي تمتاز بالضخامة والثقل، في زمن لم يوجد فيه ما يسمى ” انتي فيرس ” أو برنامج فيروسات خاص لمعالجتها، فكيف جاء أول فيروس في التاريخ أثناء تلك الحقبة التي لم نكن نمتلك فيها فارة حتى؟!

لنرجع بالزمن إلى الوراء….منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما كنا لا نملك إلا بعض الأقراص من نوع الأقراص المرنة والممغنطة -والتي كانت ثورة في عالم وسائل نقل البيانات- فلم يوجد فرد ما بتلك القوة الشريرة في عقله ليقوم ببرمجة فيروس، ولم يتم تطوير برنامج فيروسات أو انتي فيرس حتى لكي يقوم بأي حماية. لكن هل يتم إختراع الدواء قبل أن نجد الداء؟ بالطبع لا! وكانت هنا بداية اللعنة…..

اللعنة التي لفظ تعاويذها الساحران الباكستانيان على نظام تشغيل الـ MS-DOC والذي قامو بتسميته على إسم المخ “Brain” لكي يقوموا بعمل أول إختراق مؤذي لحاسب ألي، كل نيتهم كانت التخريب…تخريب البيانات وخاصة جزء الـ Boot المسئول عن بداية تشغيل الحاسب الألي والذي يحتوي على نظام التشغيل وملحقاته.

قام الأخوان “بسيط” و “أمجد ألفي” بالقيام بتلك العملية التي تنتشر مثل السرطان على الـ Boot Sector الخاص بأي قرص صلب من فئة FAT المعروفة. وجائت تلك الفكرة بسبب العملاء الخاصين بمحلهم في مدينة لاهور في باكستان.

لاحظ الأخوان أن العديد من الزبائن كانو يقومون بشراء نسخة واحدة من البرامج التي صمماها سوياً حتى يقومون بنسخها على أقراص مرنة ويبيعوها أو يعطوها للأصدقاء والأحباب مما أثار غضب الأخوان لسرقة مجهودهم الذي لا طالما قدسوه وبشكل قوي وملحوظ في عملهم.

فيروس انتي فيرس برنامج فيروسات

فيروس انتي فيرس برنامج فيروسات

“في بعض الأحيان أفضل طريقة للإنتقام هي الإبتسام والاستمرار فيما كنت تفعل” وتلك كانت المقولة التي اتخذها الأخوان في انتقامهم، لكن اخذوا نصفها فقط. فكانوا يبتسمون أثناء إعطائهم تلك الأقراص المرنة للزبائن المشهورين بفعلتهم الشنعاء، والتي احتوت على أول فيروس وهو Brain والذي ضمنا أنه لن يتم إكتشافه من قبل الأجهزة وهذا لعدم وجود انتي فيرس أو برنامج فيروسات.

قام الأخوان بالعديد من المقابلات الصحفية، وقالا فيها بأنهما قاما بتلك الحركة الممزوجة بالكره والدهاء لأصحاب النسخ الغير أصلية من برامجهم فقط، بل ولزيادة الطين بلة على من قرر تناول تلك الأقراص…قاما بوضع عناوين محلهم وأرقام هواتفهم فيه للقيام بتطهير الأجهزة التي تم إختراقها -مع مقابل مادي بالطبع- من فيروس Brain الذي صمماه. لكنهما لم يعرفا أن العالم يبحث عنهما الإثنين بعد أن أصبح مثل أي فيوس عضوي، منتشراً في جميع أنحاء العالم.

أدرك الأخوان مفعول القنبلة الموقوتة التي قامو بتوزيعها على من تعدوا على حرية الملكية و التوزيع الخاصة ببرامجهم عندما كانوا يعانون من مكالمات سب ولعن من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة البريطانية مطالبة بمسح الفيروس من على أجهزتهم. لكن الأخوان يزعمون بأن ذلك الفيروس-الذي لم يوجد انتى فيرس يقدر على إزالته بعد- تم تصميمه فقط لوضع تلك الرسالة في الأعلى وتغيير إسم القرص المرن، لكن العديد من الأفراد قد قاموا بالشكوى من إزالة بياناتهم وتعطيل أقراصهم الصلبة.

بالطبع تظن بأن الأخوان دخلا أحد السجون الفيدرالية في أحد قضايا البروباجاندا العالمية، أو تم تدمير محلهم ومصادرة أموالهم بالكامل….لكن في الحقيقة…لا. لكن الإعلام تكفل بتدمير سمعة الأخوان على صعيد عالمي. وقام الناس بمكالمة الأخوان على الرقم الذي تم وضعه في الفيروس وأبقوه مشغولاً، لكن بشكل غير مرغوب فيه.

فيروس انتي فيرس برنامج فيروسات
الأخوان “ألفي” في مقابلة صحفية.

لم يكن هذا الأمر بأزمة لعمل الأخوان، فمحلهم صار أشهر…أي نعم شهرة سلبية لكنها أسفرت عن مبيعات رائعة لهما. حتى قاما بإطلاق أكبر شركة موفرة لخدمات الإنترنت في باكستان، ونعم…إسمها Brain Net. والشكر لهما الإثنين لإكتشاف تلك الثغرات في عالم الحاسب التي أسفرت عن ثغرات أسوأ بكثير….وأسفرت عن وجود برنامج فيروسات أو انتي فيرس مختص في علاج تلك الحالات الكارثية من محض صدفة كان غرضها إيذاء بعض المحتالين ليس أكثر.

لكن المضحك هنا في الأمر هو..لما قام هؤلاء المحتالين بتداول هذا القرص مع العلم أنه قام بتدمير أجهزتهم حتى وصل لأمريكا وبريطانيا؟ لا نعلم.

الوسوم

خالد ميمون

مدون جزائري. مستشار تقني في الاتصالات , مهتم بالتقنية المجتمع و الدين, يدون بشكل غير منتظم في مدونة البريد اليومي , ذو خبرة في مجالات : الاتصالات , الشبكات , الخوادم ,تصميم مواقع الانترنت الديناميكية و الحلول المخصصة, أنظمة لينيكس و البرامج مفتوحة المصدر.

مقالات ذات صلة

أترك تعليقا

إغلاق