وطني
قانون تجريم الاستعمار .. فتح بوابة جهنم -محمد جربوعة
محمد جربوعة
الآن ..وفي هذه الظروف ، لا يمكن قراءة الاتجاه نحو إقرار (قانون لتجريم الاستعمار) ، يصادق عليه البرلمان .. إلا في إطار نية لخطوات عملية ما ..
وبرأيي ، فإنّ فتح هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات ، هو فتح لبوابة جهنّم ..
وأخشى ما أخشاه ، أن يكون هذا الموضوع ، قد أُلقيَ إلى المؤسسات الانتقالية ومؤسسة الجيش وإلى البرلمان ، إلقاءَ (الطعم) .. من طرف جهة تهدف إلى الزج بعنصر جديد ، لإرباك المرحلة الانتقالية الهشة التي تمر بها البلاد ..
ورأيي ، أنّ هناك احتمالين ، لا ثالث لهما :
1- الاحتمال الأول : أنّ هناك جهة تريد توسيع دائرة الفتق ، واستنفار أعداء كثيرين ، لإغراق المؤسسة العسكرية ، في مشاكل تتناوشها من كل جهة ..
ولا يخفى ، أن تحريك هذا الملف الخطير ، يعني إثارة تخوف ( الحركى ) وأبناء الحركى ، والأقدام السوء ، وأصحاب التاريخ المشبوه من مدنيين ، وأصحاب التاريخ المشبوه من جنرالات كانوا ضمن جيش فرنسا .. وفتح معركة جديدة ساخنة للصراع الخارجي مع فرنسا ..
ولعل الجهة التي فكرت في هذا .. إنما أرادت فكّ الحصار المضروب على الدولة العميقة في الداخل .. بتحويل الاهتمام إلى معركة بين الجزائر وفرنسا ، في الإعلام والبيانات و…والقرارات .. وهو ما يغرق الدولة في هذا الأمر الخارجي ، ويصرفها عن محاسبة الفاسدين وعن فتح ملفات الفساد ..
لهذا .. على المؤسسة العسكرية ، أن تحسب جيّدا ، قبل أن تسمح بفتح هذا الموضوع ..
2- الاحتمال الثاني :
أنّ المؤسسة العسكرية ، والبرلمان ، وغيرهما .. أدركتْ أنّ هذه المرحلة تتطلب هذا القانون ، وأنّ تطهير الدولة لا يكون إلا به .. فدفعت باتجاه إقراره ..
وهنا ، لا بد من بعض الشرح ، ليفهم الناس أهمية هذا القانون ..
ولبيان ذلك ، لا بد من توضيح مسألة قانونية ، وهي أنّ ( الجرائم ضد الإنسانية) لا تسقط بالتقادم .. وهو ما يعني أنّ بإمكان هذا القانون أن يؤسس لمحاكمات لما اقترفته فرنسا في الجزائر ، بما كانت نتيجته أكثر من تسعة ملايين شهيد طيلة 132 سنة ..وهو الرقم الذي اعترفت به فرنسا في أرشيفها ..
غير أنّ الظن ، يذهب باتجاه أن يكون استعمال هذا القانون داخليا .. ووجود قانون يجرّم الاستعمار ، يعني :
– تجريم الذين تعاملوا مع الاستعمار من الجزائريين ، عسكريين كانوا أو مدنيين .. وهو ما سيفتح ملفات إدانة في حق شخصيات ربما يراد محاسبتها اليوم ..
– قطع الطريق على الحركى الذين يعيشون في فرنسا ، ويحلمون بالعودة إلى الجزائر ..
– تجريم التعامل الأمني والعسكري مع فرنسا ، باعتبارها كيانا استعماريا ، لم تسقط عنه الصبغة الإجرامية بمحاكمة ولا باعتذار وتعويض .. وهو ما يعني أن يكون التخابر مع الأجهزة الأمنية الفرنسية ، جريمة ، ملحقة بجريمة الاستعمار .. ولا شك أن كثيرين يفهمون معنى ذلك حاليا .. وفي هذه الظروف ..
– تجريم معارضين ، يقيمون في فرنسا ، باعتبار ذلك نوعا من الخدمة للاستعمار ..
وعموما فيكون الدعم والتعاون والمشاركة والتخابر ، في حكم التخابر والتعاون مع إسرائيل بالنسبة للفرنسيين .. وهو ما يعني قطع الحبل السري بين فرنسا وأذرعها في الجزائر ..
وليس سهلا طبعا ، قطع حبل سري دام ستين سنة .. وهو ما يجعل هذا الأمر خطيرا جدا ، ويستدعي اصطفاف الشعب اصطفافا متيقظا وواعيا مع هذا المشروع ، لحماية ولادته وتطبيقه ..
ولعل ظهور هذا المشروع في هذه المرحلة ، يُنبه الشعب إلى مدى جدية الصراع مع فرنسا ، والنية في الذهاب بهذا الصراع إلى حدوده التي تحقق استقلالا حقيقيا للجزائر .. وهو ما يعني أنّ كيانات وشخصيات ومشاريع كثيرة ، تابعة لفرنسا وموالية لها ، سيتم خلخلتها ونسفها .. وهنا نتذكر قول ( معاذ بوشارب) منذ أسابيع : ( لقد اكتشفنا أسماء لحركى في قوائم المنتسبين للأفلان) ..
كما يعني أننا سنكون أمام استحقاقات جديدة ، تلقي ظلالها على المنظومة التربوية ، ومستقبل اللغة الفرنسية وهيمنتها ، وإعادة الحياة لقانون التعريب ، و…غير ذلك كثير ..
أعيد وأكرر .. فتح هذا المشروع في هذه الظروف ، هو فتح لبوابة جهنم .. إنما على الجزائر وإما على فرنسا .. والأمر متوقف على وعي الشعب ، ومساندته لهذا المشروع .. والاستعداد لمواجهة أي تشويش أو تعفين للوضع يقوم به وكلاء فرنسا والمتورطون معها ، ممن سيحصدهم قانون تجريم الاستعمار ..
شخصيا .. أنا مع هذا القانون وبقوة .. إذا كان الشعب والجيش ، مستعديْن لهذا التحدي .. فهذا أوان الحسم .. وقد لا تكون هناك فرصة أخرى أنسب من هذه ..