وطني
محاولة لتفكيك قنبلة ميليشياوية | محمد جربوعة

محاولة لتفكيك قنبلة ميليشياوية
محمد جربوعة
ملاحظة قبل قراءة المقال :
أدعو أهل الوعي إلى قراءة هذا المنشور قراءة واعية ، بعيدة عن الأحلام والتكهنات البائسة .. فقد آن الأوان أن يكون الموقف مسؤولية تاريخية وقانونية ..فالحذر ..
مقدمة :
حينما كنا نقول إنّ الأمور أكبر وأخطر مما يظن البعض ، كان الكثيرون حينها يلتقطون صور (السلفي) في المسيرات ، وكأنه نزهة ، بينما قناة (المغاربية) وقناة (فرانس 24) تحتفلان بنشوة ..كان كثيرون يتهموننا بالتشاؤم والتخويف …
ولولا الوعي الذي انتشر في أوساط الشعب ، كالنور في الظلماء .. لكانت البلاد الآن في وضع آخر ..
الذين بدأوا الحراك وخططوا له ، ووضعوا ساعة الصفر له ، عبر اجتماعات في الداخل والخارج ،(وأنا أعرف ما أقول جيّدا)، راهنوا على أنّ الشعب سيكون مجرد أداة لهم لتحقيق مآربهم .. وكانت بداية تلك الخطة ، اقتراح ( بوشاشي) ممثلا للحراك .. وهي الخطة التي أسقطها الوعي ، ليسقط بعدها خطوات كثيرة ..ليتحول الشعب إلى فاعل واع ، ولينتزع الحراك لنفسه ، ليكون هو من يضع مخططه وشعاراته وتوجهاته ومطالبه .. وقد ظهر ذلك جليا في الجمعة التاسعة ..
اليوم ، يكتشف الجزائريون أنّ كل الذي يحدث تلخصه ثنائية لمشروعين يتصارعان لأول مرة على الوجود والمصير، مشروع وطني ومشروع فرنسي ..
ولأول مرة منذ ستين سنة ، يصطف الجيش مع الشعب ضد مشروع فرنسا ..
هنا يجب أن ننبه إلى أنّ الأمر ليس آمنا ولا سهلا ..بل فيه من التوقعات المزعجة الكثير .. لذلك سأقسم هذا المقال إلى نقاط :
1- مشروع الفوضى :
كان البسطاء من الناس يظنون أنّ هتافات المطالبة بالعدالة وتحريك الملفات التي يطلقها البعض ، صادقة .. غير أن الدولة العميقة التي كانت ترفع تلك المطالب كانت تقصد بها محاسة شخصيات وجهات معيمة ، يسهّل لها سقوطها الوصول إلى قيادة الجيش ثم المرادية ..
وحين أخذت العدالة مجراها الحقيقي ، لأول مرة ، لتقصد (عش الدبابير) والقلب المالي للدولة العميقة ، بدأ التشويش على العدالة ، ومحاولة تحريك الجماهير لعرقلة المحاسبة ، وإجهاض خطة استرجاع سوناطراك والخزينة والبنوك والمال العام ..
المال ، بعد الجيش ، هو عصب الحياة للدولة العميقة ، وحين استهدفت ( العلبة السرية المالية) التي كانت هي المتحكم الحقيقي في الخزينة العمومية ، استنفرت جهات كثيرة موالية لفرنسا ، وتحركت .. بل لقد وصل هذا (النفير) إلى فرنسا ذاتها ، فتحركت لحماية ممثلي وممولي مشروعها في الجزائر ..
هنا ضعوا سطرا على ما سأقول الآن حينا :
سيحاول هؤلاء نشر الفوضى لعرقلة العدالة ، ولمنع فتح ملفات الفساد ، وهم يراهنون على أن الشرطة ستمنعهم من ذلك ، وهنا يحدث الصدام ، ليخرج الجيش ، وهو ما يريدون .. وحين يخرج الجيش ، يلجأ هؤلاء إلى التأزيم عبر ميليشيات ، وهو ما يدخل البلاد في دوامة ، ويكون بابا للمطالبة الدولية بإدانة الجيش وإدراج أسماء منه ضمن قوائم الإدانة الدولية للمطالبة بمحاكمتهم في المحاكم الدولية ، وتحويلهم من جنرالات وطنيين ، إلى مجرمين مطلوبين للعدالة ولا يجوز لهم إدارة جيش ..
لذلك ، فإن واجب حماية مسار العدالة اليوم ، من مسؤولية الشعب .. ليرى العالم كله ، أن المطالب بالعدالة والواقف في وجه التشويش عليها ، هو الشعب نفسه ، لا الجيش .. لذلك لا بد أن يكون هذا الأسبوع أسبوعا لمرافقة القضاء ودعم العدالة في المضي في قراراتها وعملها ، وفي مواجهة من يريد التشويش عليها ..
2- مسيرات في فرنسا للضغط :
مسيرات فرنسا لم تكن في صف خدمة الحراك الشعبي كما يظن البعض، ولا للضغط على فرنسا ، بل كانت للضغط على الجزائر ومشروعها الوطني ..وإن بدا غير ذلك في الظاهر ..
والذين حركوا تلك المسيرات من دول أوروبية ، كانوا يلتقون مع فرنسا في وجوب إسقاط المشروع الوطني الجزائري ، ومساندة المشروع الفرنسي ..
لذلك ، لا بد اليوم من مسيرات للجزائريين وحتى للعرب ، في فرنسا ، تطالب ماكرون بالكف عبر وسائل إعلامه وسفارته في الجزائر ، عن التشويش على العدالة الجزائرية .. وأن ليس من واجب العدالة في دولة مستقلة أن تستجيب لسفير فرنسا ، لتعطيه تفاصيل التحقيقات ، حتى إذا تعلق الأمر بأشخاص يتمتعون بالجنسية الفرنسية ..
يجب على فرنسا أن تدرك ، أن الرعب غيّر صفه ، وأن خريطة النفوذ معكوسة اليوم ، وأذرع النفوذ الجزائرية في فرنسا ، وهي المتمثلة في الملايين من الجزائريين والعرب والمسلمين في فرنسا ، أقوى من أذرع فرنسا في الجزائر .. وأن الضغط الداخلي ستمارسه الجزائر لا العكس.
فسطروا على جملة : ( وجوب تحرك مسيرات مليونية في فرنسا لئلا تشارك باريس في التشويش على العدالة التي تخص ملفات نهب أموال الجزائريين ) ..
3- قصة نادي القضاة :
نادي القضاة ، وبعد أن كان ماضيا باتجاه معين ، غيّر فجأة اتجاهه ، وتظاهر بغير الذي كان يظهر به ، وأصدر بيانا يتبرأ فيه من (الجنرال توفيق) ..
وبطيبة الجزائري ، صفق كثيرون لهذه الخطوة .. وهو ما يستدعي التوضيح ..
نادي القضاة لا يمثل كل قضاة الجزائر ، ولا مؤسسة القضاء .. وقد اكتشف أنه تورط في الظهور في ساعة حماس، ليسجل مواقف ..
وقد أدرك بعد فوات الأوان ، أنه أخطأ في الظهور والكشف عن نفسه .. وهو ما يجعله يتوجس خيفة من المتابعة المسلكية .. حتى عبر القضاء نفسه .. وهو ما جعله يتراجع .
لذلك ، فإن مسؤولية نقابة القضاء اليوم ، وسلك القضاء كله ، أن يقف موقفا واضحا ، في اتخاذ الإجراءات المسلكية المناسبة في حق هذا النادي .. حفاظا على استقلالية القضاء عن التحزب ..
4- الجامعة بين الواجب الوطني والولاء لفرنسا :
يجب أن نكون صارمين في تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية .. لأن المرحلة حساسة وخطيرة ..
وسأضع القارئ أمام حقائق ، وصلتني من ملف أعده طلبة وطنيون في جامعات عدة ..
يقول التقرير إن بعضهم قام مؤخرا بتأسيس تنظيم طلابي جديد ، اسمه (ERC).. وأنّ هذا التنظيم بادر أول ما تأسس إلى تنظيم محاضرات داخل الجامعة دُعيت إليها شخصيات سياسية من خارج الجامعة ، معروفة بانتمائها الفكري والسياسي إلى جهة معينة ..
وقد اكتشف بعض الطلبة الأمر ، فوقفوا في وجه هؤلاء المدعوين ومنعوهم من الدخول ..
وللعلم فإن ابن شخصية من الشخصيات ، موجود ضمن هذا التنظيم في جامعة (ابن عكنون) ..
لقد لجأت الدولة العميقة ، بعد أن خسرت الشارع واكتشف الشعب خطتها ، إلى تحريك الجامعة عبر هذا التنظيم الطلابي الجديد ، وهو ما يستدعي التحذير منه، مع كل الكلام الذي يقال عن الجهة التي أنشأت هذا التنظيم ، وعن أهدافه ..
إن واجب الجامعة اليوم ، أن تعلن اصطفافها مع المشروع الوطني ، ومواجهتها لمشروع فرنسا .. وأن يكون الطلبة بمستوى طلبة الجزائر الذين واجهوا فرنسا أثناء الثورة التحريرية ..
وأنا متأكد أن الكثير من الطلبة ، سيدركون خطر المؤامرة ، لو فُتح تحقيق حول المخطط الذي استهدف استعمال الطلبة والجامعات في مشروع معين ..
وهنا أطالب الطلبة بوضع سطر تحت قولي :
واجب الجامعة الجزائرية اليوم ، أن تعلن صراحة وبوضوح وبموقف تاريخي، اصطفافَها مع المشروع الوطني ، وبراءتها من كل الدسائس التي تخدم مشاريع انفصالية ..
5- رمال تتحرك في الخريطة الجديدة :
الذين اكتشفوا أن خطتهم قد انكشفت سيتراجع منهم سيتحولون إلى مشروع الفوضى ..
والذين اكتشفوا من المثقفين والسياسيين والإعلاميين ورؤساء الأحزاب ، أنهم استدرجوا بغباء ، سيتراجعون خطوتين أو عشر خطوات .. وسترون ذلك في مواقفهم ..
أما من أصرّ على أن لا يفهم ، فسيجد نفسه في صف غير صف الوطن ..خاصة إذا أخذت الأمور اتجاها عنيفا .. مع الحديث عن نية لدى بعضهم لخلط الأوراق ، في مشروع ميليشياوي خطير ..
وهنا أسجل بالبنط العريض ، أن مشروع التسعينيات الميليشياوي هو نفسه المشروع الميليشياوي الذي يحاول خلط الأمور اليوم ، والفرق الوحيد هو أن هذا المشروع الميليشياوي في التسعينيات ، استعمل وسائل الجيش والمخابرات وأسلحة الدولة لتنفيذ مخططه ، بينما اليوم وحين وجد نفسه بعيدا عن قيادة الجيش والمخابرات والشرطة ، يلجأ إلى طرق منها أن يتم تسريب وإخفاء أسلحة خفيفة وثقيلة من أسلحة الجيش الجزائري ..
لذلك..فالذين لم يحسموا موقفهم إلى اليوم ، سيجدون أنفسهم في صف ميليشيات التسعينيات بكل وجوهها ..
سؤال أخير :
إلى الذين كانوا يصبون خارج الإناء ، في تحليلاتهم ومواقفهم ورؤاهم : هل فهمتهم .. أم أنكم لن تفهموا حتى تصلكم رسائل من باريس تشكركم على مشاركتكم في برنامجها ( الكاميرا المخفية) ؟