ثقافة

بعد تغذيتها بالجرافين: عناكب تغزل حريرًا خارقًا هو الأقوى بين المواد في العالم!

كما هو متعارف عليه وكمعلومة أساسية لدي معظمنا، فخيوط العنكبوت الحريرية تعد أحد أكثر المواد الاستثنائية التي عرفها العلم؛ كون ألياف البروتين التي تنسجها العناكب بشبكاتها أقوى من أي ألياف صنعها الإنسان يومًا. هنا، قد تندهشون لمعرفة أن قوة الشد التي يتمتع بها خيوط العنكبوت تماثل قوة الشد للسبائك عالية الجودة من الصلب، بالرغم من أن كثافته سُدس كثافة الصلب ويتفوق عليه بقابليته للتمدد إلى خمسة أضعاف طوله في بعض الأحيان!



مدهش، أليس كذلك؟ لا عجب أن مثّلت بيوت العنكبوت فخاخًا مميتة لا فكاك منها حتى للطيور الصغيرة؛ وقريبًا، ستكون تلك البيوت من القوة أن تتحمل أوزانًا أكبر ومقاومة أشد تصل لتلك الخاصة بالبشر!

ففي بحث تم نشره مؤخرًا بجامعة ترينتو University of Trenton الإيطالية، استطاع فريق من العلماء تعزيز عمليات التمثيل الغذائي المدهشة في الأصل للعناكب 11 مرة بإضافة الجرافين وأنابيب الكربون النانوية إلى مياه التي تشربها العناكب. بعدها، أنتجت العناكب نسيجها الحريري كما تفعل عادة، لكن خيوط الحرير هذه المرة كانت أقوى بخمس مرات، ما يضعها بنفس مرتبة أقوى المواد على سطح الأرض … ألياف الكربون الخالصة ونسيج الكيفلر 49 المضاد للرصاص!

علميًا، نعلم جيدًا أن هناك معادن حيوية تدخل في تركيب الأنسجة الغشائية والصلبة لدى الحشرات، وهي ما يمنحها القوة والصلابة في أجزاء معينة من جسدها كالفكين، والأسنان والمخالب على سبيل المثال. لذا استقصت أبحاثنا ما إذا كان بالإمكان تعزيز الخواص الفريدة لحرير العنكبوت بدمج مواد نانوية مختلفة في التركيب البروتيني الحيوي للحرير.



الجرافين كما هو معروف يعد مادة من الكربون، ثنائية الأبعاد بنيتها البلورية سداسية، يُطلق عليها أحيانًا قرص العسل أو سلك الدجاج نظرًا لتشابه شكل بنيتها معها. والجرافين أرفع مادة معروفة على الإطلاق حتى الآن، حيث يعادل سمكها ذرة كربون واحدة فقط، ورغم ذلك تعتبر إحدى أقوى المواد المعروفة بالإضافة إلى تمتعها بخواص خارقة أخرى، حيث تعتبر من موصلات الكهرباء وكفائتها ذات كفاءة النحاس، وهي أفضل موصل للحرارة على الإطلاق! ومع أنها تكاد تكون شفافة تمامًا،  فهي أيضًا كثيفة للغاية لدرجة عدم سماحها بعبور أصغر ذرة “الهيليوم” من خلال هيكلها السداسي! تخيلوا نتائج التغذي على هذه المادة المدهشة!

لا تزال تلك العملية في المراحل الأولى من البحث، وقد استقى الفريق البحثي نتائجه من عينة صغيرة من العناكب وحريرها المنتج. مع هذا، فلو سارت الأمور كما هو متوقع، ستؤدي نتائج الأبحاث الجارية إلى ولادة جيل جديد من العناكب “المعدلة والمحسّنة” والتي تستطيع إنتاج حرير خارق يمكن الاستعانة به في المظلات، والحبال، والكوابل والسترات الواقية وأغطية الحماية وغيرها.

وما هذا إلا البدابة فقط، كما يقول رئيس الفريق البحثي، نيكولا بوجنو Nicola Pugno، حيث يعتقد الأخير أننا قد نستطيع في النهاية تطبيق العملية نفسها على مخلوقات أخرى بخلاف العناكب. فكروا كيف قد تسير الأمور مع دود القز، والنحل مثلًا! كيف قد تدمج هذه الكائنات الجرافين والأنابيب النانوية فيما تخرجه من بطونها؟



كما العادة، فكل ما يتعلق بالعلم في المستقبل مشرق ويعد بالكثير، على الأقل نظريًا؛ ولسوء الحظ لن نختبر على الأرجح تطبيقها عمليًا إلى حدها الكامل.

الوسوم

خالد ميمون

مدون جزائري. مستشار تقني في الاتصالات , مهتم بالتقنية المجتمع و الدين, يدون بشكل غير منتظم في مدونة البريد اليومي , ذو خبرة في مجالات : الاتصالات , الشبكات , الخوادم ,تصميم مواقع الانترنت الديناميكية و الحلول المخصصة, أنظمة لينيكس و البرامج مفتوحة المصدر.

مقالات ذات صلة

أترك تعليقا

إغلاق