ثقافة

خجل التاج: عندما تتحاشى الأشجار لمس بعضها!

الكثيرون منا ينظرون إلى النبات كشبيه أقرب إلى الجماد. صحيح أن النبات يتنفس، وينمو وينجب (يثمر) ويموت؛ إلا أن معظمنا ينفي عنه الكثير من الصفات الأخرى لازمة التحقق والارتباط بالضرورة مع ما تقدم من صفات كالتنفس والإنجاب والموت. لماذا لا يتذوق النبات طعم الندى المتجمع على أوراقه؟ لماذا لا تتألم الشجرة عندما يحفر (سيد) اسم فتاته على لحاء جذعها بينما يتنهد في رومانسية؟ لماذا لا تحزن شجرة الموز الصغيرة على أبيها عندما ينتزعوها من جوراه فيموت الأخير؟ أم تُراها تفعل؟!



هذا هو محور نظريات إدراك النبات وتجارب قياس ذكاء ومشاعر النبات العديدة التي بدأت منذ عشرات السنين؛ ومؤخرًا صارت تتساقط علينا اكتشافات مدهشة تثبت أن النبات يشعر ويتذوق ويرى ويسمع! فقط لا تربط تلك الحواس بنظيراتها لدينا. فأن لا يملك أحدهم عينًا لا يعني أنه لا يرى وتذكر هنا الخفافيش العمياء بردود أفعالها التي لا تصدق؛ وأن لا يملك أحدهم مستقبلات روائح في الأنف لا يعني أنه لا يشم، وتذكر الثعبان الذي يشتم الروائح بلسانه وجهاز جاكبسون العبقري لديه!

وفي مقالنا هذا، سنتناول مستوى آخر من إدراك النبات ووعيه بما حوله. فلتتأملوا الصورة التالية لثواني قليلة …

تبدو كلوحة مرسومة لقنوات متناغمة غير مسدودة بين الأوراق والغصون الكثيفة، لكنها في الواقع مثال لظاهرة طبيعية مدهشة تدعى “خجل التاج Crown shyness” ومعها تتفادي أنواع معينة من الأشجار السامقة أن تتلامس قممها. مع ثبات واستمرار هذا النمط المدهش بين تلك الأشجار، والذي يبدو كحدود مميزة تفصل بين كل شجرة وأخرى؛ استطاع العلماء تمييز تلك الظاهرة للمرة الأولى في عام 1920، وغن لم يتفقوا حتى الآن عن سببها والغرض الحقيقي منها.

أحد الفرضيات هي أن المسافة البينية بين قمم الأشجار تتشكل عندما تصطدم الأشجار مع بعضها البعض عند هبوب الرياح، ولمنع الضرر، تتوقف التيجان عن النمو. وهناك تجارب تدعم هذه الفرضية؛ حيث قام باحثون بمنع الأشجار من الاصطدام ببعضها أثناء هبوب الرياح، فوجدوا أن التيجان تنمو للمس بعضها البعض.

هناك أيضًا فرضية التنافس والتي تفترض أن القمم المتفرعة والمتنامية للأشجار تكون حساسة لمستويات الضوء، وهكذا تتوقف عن النمو عندما تقترب من أوراق الشجرة المجاورة التي ترمي ظلًا. سبب آخر محتمل لخجل تيجان الأشجار قد يكون لغرض إبطاء انتشار اليرقات أكلة أوراق الأشجار، وذلك بوضع ما يشبه الخنادق الفاصلة أو الحدود بينها والشجرة التالية.

ولأن الأمر مثير للاهتمام حقًا ويستأهل الكثير من الحديث والشرح، فلنتناوله بمزيد من التفصيل في مقال قادم؛ ولنكتف مؤقتًا باتفاق بسيط: عندما تركن إلى شجرة الصفصاف العجوز بجانب منزلكم أو تتوقف لفعل شيء ما في ظل شجرة فيكس مورقة في الطريق، فلتحاذر ماذا تقول أو تفعل … فالكائن الحي يستمع إليك ويشمك ويراك. هو فقط يفضل الصمت … لحسن حظنا!

الوسوم

خالد ميمون

مدون جزائري. مستشار تقني في الاتصالات , مهتم بالتقنية المجتمع و الدين, يدون بشكل غير منتظم في مدونة البريد اليومي , ذو خبرة في مجالات : الاتصالات , الشبكات , الخوادم ,تصميم مواقع الانترنت الديناميكية و الحلول المخصصة, أنظمة لينيكس و البرامج مفتوحة المصدر.

مقالات ذات صلة

أترك تعليقا

إغلاق